السملالي: من يُحاسب مساجدنا في فرنسا؟

السملالي: من يُحاسب مساجدنا في فرنسا؟ عبد الحي السملالي
منذ أيام، فصلتُ مقالًا ينتقد هجوم الدكتور أحمد الريسوني على وزير الأوقاف، وكان من حسن الصدف أن بدا النص، رغم نبرته التحليلية، مدافعًا عن الوزير، دون أن يُبخسه ما له من رصانة أو تجربة.
 
لكن اليوم، أجدني مضطرًا للعودة إليه لا من باب الدفاع، بل من باب النقد المسؤول، في ملف بالغ الحساسية: تدبير الشأن الديني المغربي في أوروبا، وخاصة في فرنسا.
 
لقد كتبتُ سابقًا نصًا بعنوان “مشروع دراسة لدجالي العقيدة والعمل الإسلامي بفرنسا”، انتقدتُ فيه من كلفتهم الوزارة بتمثيل المغرب دينيًا هناك، وكنت قاسيًا في حكمي، لا رغبة في التجريح، بل لأن الواقع يفرض الصراحة.
 
واليوم، أعود إلى نفس الملف، ولكن بنبرة أكثر تحديدًا: ملف المساجد الكبرى في فرنسا، التي تُدار من قبل عمداء انتهى زمانهم (إيفري، سانت إتيان، ستراسبورغ، مونت لاجولي)، ولم يعودوا قادرين على مواكبة التحولات المعقدة التي يعرفها الشأن الديني الأوروبي.
 
أين تذهب 120 مليون درهم؟
إن مبلغ 120 مليون درهم الذي يُصرف على الشأن الديني المغربي بالخارج، لا يمكن أن يُدار بمنطق تقني أو إداري صرف، لأنه مرتبط بنموذج ديني فريد، هو النموذج المغربي القائم على إمارة المؤمنين. فالجالية المغربية بالخارج، حين تُخاطَب دينيًا، لا تُخاطَب كمجرد جمهور مسلم، بل كمُمتدٍّ مؤسسي لهذا النموذج، وكجزء من الرؤية التي تُجسّد وحدة المذهب، ووسطية الخطاب، وشرعية المرجعية.
 
ومن هنا، فإن أي خلل في التعيين، أو ضعف في الكفاءة، أو انفصال عن السياق الأوروبي، لا يُسيء فقط إلى صورة المؤسسات، بل يُسيء إلى تمثيل إمارة المؤمنين في الخارج، ويُضعف قدرتها على بناء الثقة، وعلى بلورة خطاب ديني يُخاطب الواقع الأوروبي بلغة عقلانية، معتدلة، ومتماسكة.
 
من أشار بتعيين سائق طاكسي؟
المثال الأوضح على هذا الخلل، ما وقع مؤخرًا في تعيين رئيس المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة. بدل أن يُعيَّن شخص ذو تكوين أكاديمي رصين، وقع الاختيار على رجل عصامي، كان يشتغل سابقًا سائقًا لسيارة أجرة.
وليس في المهنة أي عيب، بل العيب في أن يُكلَّف برئاسة مؤسسة دينية رسمية، وهو يفتقد إلى أبسط شروط الكفاءة العلمية، والتجربة الميدانية، واللباقة في التعامل، والحكمة في معالجة الإشكالات المعقدة التي تواجه المسلمين في أوروبا.
 
لماذا لا يُحاسب أحد؟
من يُحاسب المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة؟ من يُراقب أداء المساجد الكبرى التي تتلقى تمويلًا من وزارة الأوقاف؟ من يُراجع معايير التعيين؟ ولماذا لا تزال الوزارة تحتفظ بعامل مختص على رأس مسجد إيفري، وبشخص أمي على رأس مسجد محمد السادس في سانت إتيان؟
 
ألم يحن الوقت لتفعيل الاتفاق مع فرنسا بشأن تعيين عمداء جدد للمساجد الكبرى؟ ألم يحن الوقت للبحث عن النخب، عن من يُحسن الفهم، ويُحسن التمثيل، ويُحسن البناء؟
 
دعوة إلى إصلاح جذري
لهذا، فإنني أدعو إلى:
* إعفاء مسؤول للعمداء الحاليين، وفتح مشاورات حقيقية لاختيار من يُمثل المغرب دينيًا بكفاءة.
* إرساء معايير واضحة وشفافة في التعيين، تُراعي الكفاءة العلمية، والخبرة الميدانية، والقدرة على التواصل بين الثقافات.
* إشراك الفاعلين الأكاديميين والميدانيين في تقييم المرشحين، بدل الولاءات الشخصية أو الاعتبارات الإدارية الضيقة.
* إعادة النظر في تركيبة التمثيلات الدينية بالخارج، بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا للجاليات، ويُسهم في بناء خطاب ديني 
متجدد، عقلاني، وسياقي.
* فتح نقاش عمومي مؤسسي حول مستقبل الشأن الديني المغربي في أوروبا، يُشارك فيه العلماء، والمفكرون، والفاعلون المدنيون، من داخل المغرب وخارجه.

معذرة يا وزيرنا في الاوقاف، فالكلمة هنا ليست نصحًا فقط، بل صرخة من واقعٍ لم يعد يُحتمل.