محمد خطابي: على هامش بلاغات المديرية العامة للأمن الوطني حول حوادث السير

محمد خطابي: على هامش بلاغات المديرية العامة للأمن الوطني حول حوادث السير محمد خطابي
تستحق المديرية العامة للأمن الوطني تنويها على العمل الذي تقوم به في مختلف مجالات تدخلها بحسب ما يخوله لها القانون، وبحسب ما يقيدها به القانون.
الدافع إلى تسطير هذه الفقرات ما لفت انتباهي من تواتر الأسباب نفسها التي تفسر حوادث السير في الطرق وعليها. ويشمل التفسير سلوك السائقين (سيارات ودراجات، وحافلات وشاحنات...)، وسلوك الراجلين. ومعنى ذلك أن "الفاعلين" الرئيسيين لا يتجاوزان السائق والراجل. ولعل وصف سلوكهما معاً بعدم الانتباه يقتضي توضيحات وتساؤلات.
التساؤلات: هل تتضمن محاضر الحوادث وصفاً شاملاً "المسرح" الحادثة قياساً على مسرحالجريمة ؟ هل تتضمن الحوادث عيوب الطريق ذات التأثير المباشر أو غير المباشر في وقوع الحادثة ؟ هل تتضمن العوائق الموضوعية "المساعدة" على وقوع الحادثة؟ ما العامل المساعد على عدم انتباه السائق السكر وما يجاوره..؟ ما العامل المساعد على عدم انتباه الراجل ؟ هل كان عدم انتباه الراجل عمدياً أو "اضطرارياً"؟ ما السبب الذي جعل الراجل يتقاسم الطريق مع العربات ؟
تلك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، وعلى المؤسسات المتدخلة من جماعات منتخبة في الجماعات الحضرية والقروية، ووزارة التجهيز والماء، ونارسا أن تكب على الأسباب وأن تعالجها كل في مجال اختصاصها. وإذا كانت هذه المؤسسات كلها تتعامل مع الإحصائيات باعتبارها أرقاماً ينتهي مفعولها بعد نشرها فتلك مصيبة حقيقية. وإذا كانت وزارة التجهيز ونارسا تقدمان وصلات إشهارية للتنبيه إلى أخطار الطريق فإن الجماعات لا تلتفت - ربما-إلى هذه الإحصاءات، وربما لا توليها العناية اللازمة !! أيها السادة إن الأمر يتعلق بأرواحتزهق، وأعطاب بدنية قد تغيّر مجرى حياة المصاب، ناهيك عن آلام الأسر المصابة بالفقد أو العطب المزمن.
وبحكم أنني سائق وفي الوقت نفسه راجل، فإن لي أسئلة أوجهها إلى الوزارة المعنية والمجالس المعنية
هل تسهر الجماعات الحضرية وشبه الحضرية على تجديد صباغة ممرات الراجلين على نحو منتظم؟ والحال الملاحظ أنها لا تفعل هل يتطلب الأمر أن يقرر المواطنون وقفات احتجاجية أو اعتصامات كل ثلاثة أشهر أو أقل من أجل تجديد صباغة ممرات الراجلين وقل الشيء نفسه عن الطوار المصبوغ بالأبيض والأحمر ) ؟ وكلنا يعلم أهمية تلك الممرات لأنها ترسم الحد الفاصل بين حق الراجل وحق السائق. أما تركها على حالها بدعوى أن السائقين لا يحترمونها وكذا الراجلين فتلك قمة العبث.
هل تسهر الجماعات على حماية حق الراجلين في استعمال الرصيف الخاص بهم؟ والحال أن الأرصفة في جميع المدن المغربية، لاسيما في الأحياء الواقعة خارج مراكز المدن، محتلة نهاراً جهاراً، وليلاً أيضاً. جميع المقاهي جميع محلات الأكلات الخفيفة أو السريعة، جميع الدكاكين، جميع من يبيع سلعة أو خدمة يتمدد في الرصيف وعليه، مع العلم أن في كل بلدية شرطة إدارية من مهامها السهر على احترام القانون ! المفروض أن من مهام هذه الشرطة رفع محاضر تتضمن طبيعة المخالفات والمخالفين إلى مكتب المجلس أو إلى الرئيس أو أحد نوابه المفوضة لهم تلك الصلاحية؛ وإذا رفعت هل يقع تتبعها وإصلاح ما ينبغي؟ المثير للانتباه أن عدم الزجر شجع التجار وبائعي الخضر والأواني وغيرهم على احتلال الأمكنة الخاصة بركن السيارات.
هل "يعلم" مديرو الجماعات أن فئات اجتماعية محرومة من استعمال حقها في رصيف آمن خال من العقبات والمطبات والمزلقات يمتد الإجهاز على الرصيف إلى نوع التبليط. كل يستعمل ما يرتضيه ولا تحرك الجماعة ساكناً، حتى أضحيت تجد أرصفة "تزين" بزليج حقه أن يستعمل في بلاط البيت غرفه وغيرها بلاط زلق إن استعمل في الرصيف كانت عواقبه كارثية على الراجلين... أول الفئات المهددة كبار السن المتكئين على عكازة أو المستعينين بعربات تمكنهم من المشي، والأطفال، والنساء الأمهات يضعن الرضيع في عربته للتنزه أو لتقضي الأم غرضاً من الأغراض خارج البيت....
تقوم المصالح الأمنية المشرفة على السير والجولان بين فينة وأخرى، بحملات توعية بمخاطر استعمال الطريق، لا سيما في المراكز الحضرية، مخاطبة التلاميذ منبهة إياهم إلى آداب استعمال الطريق. ينتبه التلاميذ إلى الشروح والنصائح.. يستوعب التلاميذ الدرس... يخرجون من المدرسة.. يقفون عند ممر الراجلين إن وجد ينتظرون أن "يسمح" لهم السائقون بالعبور.. حتى إذا ملوا الانتظار شرعوا يعبرون من كل مكان بدا لهم إمكان العبور منه إلى الضفة الأخرى.. تسلم الجرة مرة وقد لا تسلم مرات المشكلة إذن توجد في مكان آخر، لا في التلاميذ. ما قيل عن التلاميذ يصدق على كبار السن، على الرغم من أن من حقهم عبور الطريق في أمان، بل إذا اقتضى الأمر أن تقدم لهم المساعدة وجب تقديمها لهم بدون مَنْ.
بخصوص علامة التشوير قف: أظن أن على اللجان المشرفة على السير والجولان أن تولي عناية خاصة للوقوف على الأماكن التي وضعت فيها تلك العلامات. هل تؤدي دورها أم أن ذلك الدور معطل، إما لأن أغصان الشجرة أو الأشجار قد حجبتها، وإما لأن الرصيف الواقع على يمين العلامة ويسارها احتله مقهى أو دكان أو عطار أو جزار... هنا مربط الفرس. ما دور علامة قف إن حجبها شيء؟ وإذا توقف السائق، عليه أن يتقدم أمتاراً ليتمكن من رؤية ما يوجد على يمين العلامة ويسارها والغريب في الأمر أن ما يحجب الرؤية عن السائق يستوجب الزجر، ولا زاجر. وفي بعض الأحيان يكون العائق من صنع الجماعة. كيف؟ حين يوجد مكانان لركن السيارات على الجهتين اليمنى واليسرى للعلامة، تكون الرؤية منعدمة ما لم يتقدم السائق أمتاراً بعد العلامة للتأكد من أن الطريق آمنة....
بخصوص وزارة التجهيز لا ينكر ما تم إنجازه من طرق في مختلف مناطق المغرب، لا ينكره إلا جاحد. ولكن ما قيمة الطريق الإسفلتية إن نسيت صيانتها صيانة دورية.. وفي بعض الأحيان ما قيمتها وما جدواها إن كانت من صنف الرملة القرابة، والزفتة المدادة"، وما أكثر الطرق التي من هذه الشاكلة، خاصة في المجال القروي... ولمن ساوره شك في هذا الاطلاع على تقارير المجالس الجهوية للحسابات والمجلس الأعلى للحسابات تقارير ناطقة بالاستهتار واللامسؤولية....
 
وختاماً أقول: لن يتوقف النزيف نزيف دم المغاربة المسفوح على الإسفلت ما لم يقم كل طرف بمسؤوليته في حدود ما هو ملزم به قانونياً. حزروا الأرصفة، رحمكم الله. حرروا العقول من الأنانية والسلوك من الاستهتار بأرواح الناس وأبدانهم بإعمال القانون، لا بتعطيله.
والله أعلم