أطلق عدد من الدكاترة الشباب المعطلين مبادرة وطنية تحمل اسم "المبادرة الوطنية للدكاترة الشباب من أجل الحوار"، وذلك بهدف فتح قنوات تواصل مؤسساتي جاد مع الحكومة ومختلف الفاعلين المعنيين بملف الدكاترة العاطلين عن العمل، في أفق إيجاد حلول واقعية ومنصفة تعيد لهذا الملف حضوره في الأجندة الوطنية.
المبادرة حسب القيميين عليها جاءت تفاعلا مع مخرجات المجلس الحكومي لشهر شتنبر 2025، حيث أكدت الحكومة على "حسن إنصاتها وتفهمها للمطالب الاجتماعية واستعدادها للتجاوب الإيجابي والمسؤول معها، عبر الحوار والنقاش داخل المؤسسات والفضاءات العمومية، وإيجاد حلول واقعية وقابلة للتنزيل، للانتصار لقضايا الوطن والمواطن".
كما تتميز هذه المبادرة كونها تنسجم بعمق مع التوجيهات الملكية التي وردت في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان في 10 أكتوبر 2025، حيث دعا الملك محمد السادس، إلى "تشجيع المبادرات المحلية والأنشطة الاقتصادية، وتوفير فرص الشغل للشباب، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة، وتأهيل المجال الترابي". وهي مضامين اعتبرها القائمون على المبادرة دافعا قويا لتبني خيار الحوار المؤسساتي باعتباره امتدادا لروح التوجيه الملكي الذي يربط بين الإصلاح الاجتماعي والجهوي وبين الانخراط الفاعل للنخب الوطنية.
أيضا تتقاطع هذه الخطوة مع ما ورد في بلاغ الديوان الملكي عقب أشغال المجلس الوزاري ليوم الأحد 19 أكتوبر 2025، حيث تم التشديد على "إعطاء الأولوية لإحداث مناصب الشغل للشباب، والدعم الفعلي لقطاعات التربية والتعليم، والصحة، إضافة إلى التأهيل المجالي". وهي إشارة تبرز بوضوح التوجه الاستراتيجي للدولة في جعل التشغيل والارتقاء بالرأسمال البشري محورا للسياسات العمومية المقبلة.
المبادرة عرفت منذ الإعلان عنها، إقبالا متزايدا من طرف الدكاترة الشباب على الصعيد الوطني، حيث تجاوز عدد المنخرطين فيها 200 دكتور ودكتورة من مختلف التخصصات من خلال صفحة رسمية على موقع فيسبوك ومجموعة خاصة على واتساب، شكلتا فضاء للنقاش والتنسيق وتبادل المقترحات حول سبل تفعيل الحوار مع الحكومة والقطاعات الوصية.
المشرفون على المبادرة يعتبرون أن الرهان اليوم لم يعد في الشارع، بل في الحوار الهادئ والمسؤول مع مؤسسات الدولة، معتبرين أن الوقت قد حان لإعادة الثقة بين النخبة الأكاديمية والإدارة العمومية وذلك عبر مقاربة تشاركية تعترف بالكفاءة العلمية وتثمنها داخل منظومة التنمية الوطنية، كما يؤكدون أن الهدف الجوهري يتمثل في "إحياء ملف الدكاترة المعطلين من خلال فكرة أن الحوار ممكن ومجدي، وأن الإصغاء المتبادل هو السبيل الأمثل لتحقيق العدالة الاجتماعية والمعرفية".
هذه المبادرة تكتسي أهمية خاصة في ظل تعدد التنسيقيات والهيئات التي اختارت مسار الاحتجاج الميداني، ما يجعل من “المبادرة الوطنية للدكاترة الشباب من أجل الحوار” تجربة فريدة في منهجها، إذ تراهن على إقناع المؤسسات الرسمية بضرورة إشراك الكفاءات العلمية في بناء الحلول بدل الاكتفاء بالاحتجاج.
ويرى العديد من المتتبعين أن هذه المبادرة تعكس تحولا نوعيا في الخطاب الاجتماعي للنخبة الأكاديمية، لأنها تعيد الاعتبار لقيم الحوار والتشاور، وتقطع الطريق أمام أي محاولات خارجية لاستغلال المطالب الفئوية في اتجاهات تضر بصورة الوطن أو تستثمر في توترات الشارع، فالدكاترة الشباب من خلال هذه الخطوة يبعثون برسالة واضحة مفادها أن الانتماء الوطني يترجم بالفعل المسؤول والاقتراح الواقعي، لا بالشعارات والاحتجاجات.
أكد أحد أعضاء اللجنة التحضيرية في تصريح صحافي أن “المرحلة الراهنة تقتضي الانتقال من لغة الحوار”، مضيفا أن “الحوار مع المؤسسات الوطنية يهدف إلى تأطير الحقوق في مسار قانوني وعملي يخدم مصلحة الوطن والدكاترة معا”.
ويأمل أصحاب المبادرة أن تتفاعل الحكومة والقطاعات الوزارية ذات الصلة إيجابيا مع هذه الخطوة التي تتقاطع مع الرؤية الملكية في دعم التشغيل وتأهيل المجال، معتبرين أن ملف الدكاترة المعطلين لا يجب أن يختزل في بعده الاجتماعي فقط، بل يجب أن ينظر إليه كقضية تنموية تهم تثمين الرأسمال البشري الأكاديمي وإدماجه في ورش الإصلاح الوطني.
ويرى المراقبون أن هذه المبادرة تمثل نموذجا حضاريا جديدا في تدبير المطالب الاجتماعية عبر الحوار المسؤول، في انسجام تام مع التوجهات العليا للمملكة في بناء مغرب الفرص والكفاءات، مغرب يربط بين العلم والعمل، وبين الإنصات والتفعيل.