قرأت البيان الأخير لجبهة البؤس الانفصالي، لعلي أجد فيه ما يستدعي الابتهاج الغريب، و غير المقبول، الذي عبر عنه البعض، لكنني عثرت على كل المفردات الكلاسيكية في خطاب خصوم الوحدة الترابية للمغرب (استفتاء / تقرير المصير / الشعب الصحراوي ...)، و لم أعثر على شيء واحد يجوز اعتباره "تحولا إيجابيا".
في رأيي، لا يمكن الحديث عن أي جديد إيجابي، إلا إذا استوعبت قيادة جبهة البؤس الانفصالي، الحقائق التالية:
1- أنها لا ترأس "جمهورية/دولة"، بالنظر إلى أن القانون الدولي الذي تتحجج به في بياناتها، هو نفسه الذي يحدد المقومات الواجب توفرها لكي نتحدث عن "دولة". والحالة هذه، لا شيء من تلك المقومات متوفر في حالة النصب التاريخي الذي تجسده "جبهة البؤس" في جهودها لاستهداف حقوقنا الشرعية والمشروعة.
2- أنها (تبعا للنقطة أعلاه!!!) ليست في وضعية تفاوض "دولة مع دولة"، بل في وضع حوار بين دولة مع جزء من أبنائها، لبلورة حل استراتيجي مستدام نتجاوز به النزاع المفتعل حول منطقة أصيلة من ترابنا الوطني.
3- أنها لا تمثل "شعبا" بل تمثل المنتمين إليها و أعضاءها فقط. أما المواطنين من أصل صحراوي، سواء المقيمين في جهات الصحراء بجنوب المملكة أو خارجها، هم جزء من الشعب المغربي، لهم كامل حقوق المواطنة والانتماء ويتم التعامل معهم، على هذا الأساس، من طرف الدولة المغربية، في ظل ما يتيح الدستور لكل أفراد الشعب من حق المساهمة في تدبير الشأن العام، و واجب الدفاع عن مصالح الوطن ومقومات السيادة.
4- أنها لا تحتكر حصرية تمثيل الصحراويين، ويجب أن تبتعد عن انتحال صفة لا تمتلكها، لكون غالبية أبناء القبائل الصحراوية، سواء المقيمين في جنوب المغرب أو خارجه، راشدون عقلاء ولهم ما يلزم من شرعية للحديث عن أنفسهم و التعبير عما يريدونه، دون وصاية من أي جهة، خاصة من "جبهة" جسدت بؤس انفصالي يعيش خارج الجغرافيا و التاريخ والمشروعية.
5- أنه لا مجال لأي تفاوض على قاعدة ربط "تقرير مصير" بتنظيم "استفتاء"، بل المتاح هو نقاش ترتيبات تنزيل الحكم الذاتي ضمن السيادة الوطنية للمملكة و ثوابت الأمة المغربية. أما غير ذلك فمرفوض جملة وتفصيلا.
في اعتقادي، نحن في وضع قوة حقيقية غير مسبوقة في التاريخ الحديث لبلادنا : استقرار سياسي و مؤسساتي حقيقي ؛ اقتصاد تنافسي يتطور كل سنة رغم الإكراهات ؛ رؤية استراتيجية واضحة لمعالجة اختلالات الهشاشة الاجتماعية ؛ قوة اللحمة المجتمعية وراء قيادة ملك البلاد و الثوابت الوطنية ؛ مكتسبات ديبلوماسية كبيرة و غير قابلة للتراجع ؛ قوة الدولة بمؤسساتها المدنية و العسكرية. وبالتالي، لسنا في حاجة لتقديم تنازلات لا يستحقها خصوم وحدتنا الترابية، و لا تفرضها علينا أي سياق أو اعتبارات موضوعية.
في نفس الوقت، يجب أن يكون مفهوما لدى الجميع أننا في وضع القوي المتمكن الذي لا يريد أن يستعلي بقوته، بل يريد أن يمد يد الخير و العفو لبناء المستقبل المدمج للجميع. وتلك هي قيم المغرب و أخلاق المغاربة، منذ قرون.
لذلك، يجب الاستمرار في التعبئة واليقظة و الحذر من المحاولات التي يقوم بها "البعض" لترويج سراب "تحول إيجابي" في مواقف أعداء الوحدة الترابية للمغرب، بينما ليس هنالك دليل يؤكد ذلك.
إن "التطبيل" الذي انخرطت فيه بعض الأصوات يدعو للريبة و يفرض كثيرا من اليقظة، لربما هنالك أمر ما يحاك، ظاهره الرحمة و باطنه من قبله العبث و المراهنة على السراب و فتح الباب لشر كبير.
حذاري، إذن، من تواصل يبيع الوهم، وهم العسل ويخفي السم المدسوس فيه. المغرب في صحرائه و الصحراء في مغربها، و دينامية التطور المؤسساتي و التنموي مستمرة دون توقف، و لا حل استراتيجي لتجاوز النزاع المفتعل إلا من خلال الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. على هذا الأساس نريد أن نتحاور و نجد حلا، بمنطق ليس فيه شيء نتقاسمه أو نقتسمه، لا "ثمن السلام" و لا ما سواه.
كل الدعم للديبلوماسية الوطنية بتوجيه من جلالة الملك، وعاش المغرب ولا عاش من خانه.