وجه سيدي علي ماء العينين رسالة مفتوحة إلى الرئيس الجزائري، تتناول بأسلوب نقدي وتحليلي العلاقات المغربية الجزائرية في سياق مستجدات قضية الصحراء، ودعا الفاعل الإعلامي القيادة الجزائرية إلى مراجعة مواقفها السياسية واغتنام فرصة السلام المطروحة لإنهاء عقود من التوتر بين البلدين، مؤكّدًا على أولوية التنمية والاستقرار على الخلافات الإيديولوجية القديمة..
فخامة الرئيس الجزائري
مع ما يفرضه المقام من تقدير للبلد الذي شرفك بترؤسه، فقد شهدت بلادنا في الأسابيع الأخيرة أحداثا أحيت في داخلكم الأمل بأن يكون جيل Z وما رافق مظاهراته من انفلات أمني في بعض المدن والمراكز القروية، فرصة لتحقيق ما عجزت عنه ديبلوماسيتكم التي لا تزال تنتشي بخطاب الراحل الحسن الثاني في نيروبي، ذات مساء من أماسي سنة 1981.
لكن الفرق هنا شاسع وكبير؛ فحين خرج المغاربة إلى التظاهر في تلك السنة، اختار الحسن الثاني تغليب البرنامج الوحدوي على البرنامج التنموي، وارتمى في أحضان خيار الاستفتاء الذي رفضته قيادات من الاتحاد الاشتراكي، فزُجّ بكاتبه الأول عبد الرحيم بوعبيد وأعضاء المكتب السياسي في السجن.
اليوم، ومجلس الأمن يتداول في مشروع قرار يقبر بشكل نهائي وهم الاستفتاء، لم يحتج ملك البلاد محمد السادس إلى قمع شعبه بحجة أننا أمام انتصار تاريخي في الأمم المتحدة، بل انقلب الشارع على نفسه حين خرج المغاربة، ومعهم ملكهم وولي عهدهم، إلى الشوارع ليس للاحتجاج ولكن للاحتفال بفوز منتخب بلادنا بكأس العالم للشباب، في ردٍّ شافٍ على إعلام بلادكم الذي أطلق له العنان لينفث سُمّه متمنيًا ألا تنظم بلادنا الاستحقاقات الرياضية، من كأس إفريقيا إلى كأس العالم.
لا أدري لماذا لم يُخبرك الجنرالات الذين يمْلون عليك ما يجب فعله، أنّ أحبابنا في الصحراء المغربية خرجوا إلى شوارع العيون ومدن الصحراء للاحتفال بهذا الإنجاز، ولم تُخبرك مخابراتك أن عرسًا صحراويًا انقلب إلى هتافات بالفوز المغربي على أنغام الطرب الحسّاني.نعم، فخامة الرئيس، يؤسفني أن أخبرك أن أهل الصحراء استيقظوا منذ زمن من حلم مخططات الحرب الباردة وحركات التحرر العالمية، وهم اليوم يدركون وهم خلق كيانٍ موالٍ لجنرالات جاثمين على كراسي الرئاسة من ليبيا إلى الجزائر.
ورغم ذلك، فخامة الرئيس، ما زلت وحدك تعيش وهم زعزعة استقرار بلادنا، وتفشل في كل مرة في عرقلة حركتها التنموية الصاعدة، وتتلقى الضربات الديبلوماسية المتتالية دون أن تجد ردًّا غير استدعاء السفراء وإصدار البيانات النارية باسم صنيعتك "البوليساريو".
وحبًا مني لكل جزائري يشترك معي في التاريخ المشترك، وفي الروابط الدينية والثقافية والاجتماعية، أناشد فيك شيخوختك وشيخوخة الجنرالات المحيطين بك، أناشدكم جميعًا أن تقوموا بعمل سيكون خير ما تكفّرون به عن ذنوبكم في حق الشعب الجزائري، الذي أوهمتموه بأن لا قيام لدولة اسمها الجزائر إلا بضعف الدولة المغربية.
لقد جاءت الفرصة فلا تضيعوها، فبعد مرور نصف قرن على المسيرة الخضراء التي حررنا بها الصحراء، يطرح عليكم الرئيس الأمريكي، المعترف بمغربية الصحراء، خطة سلام مع المغرب.
فلا تضيعوها، فلم يتبقَّ لكم سوى خيار القبول، ومرحبًا بشروطكم ما لم تمسّ وحدتنا الوطنية ولُحمتنا كمغاربة.
عبّر عن مطامعك بعيدًا عن خيار التقسيم، وألقِ بأوراقك كطرف مباشر ولا تختبئ خلف منظمة تتجه الأمم المتحدة إلى اعتبارها منظمة إرهابية.
لا أريد، فخامة الرئيس، أن أقول لك إنك محاصر من كل الجهات بالحقائق التاريخية التي تنكرت لها، وبالحركية الاقتصادية التي تدرك أن المغرب لم يعد من الممكن اللحاق به، خاصة من طرف نظام شمولي عسكري فاقد للأهلية لتنويع شركائه بسبب مشكل الصحراء المغربية.
فخامة الرئيس، هما شهران، ستون يومًا، هي المتبقية من هذه السنة التي تريد لها الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، وكل دول حق الفيتو، أن تكون سنة الطي النهائي لوهم الاستفتاء وفضح اختبائكم وراء هذا الملف لتصريف صراع سياسي على زعامة إفريقيا.
الزعامة اليوم ليست بأفكار الحرب الباردة ولا ببذلة الجندي على كرسي الشأن المدني، الزعامة اليوم تنمية واقتصاد ومصالح، ورهانات دولية على الاستقرار والانتفاع بخيرات هذا الكوكب بعيدًا عن الصراعات العقيمة.
لن نحكم على خطوتك بقبول خطة السلام مع المغرب بأنها رضوخ لأمريكا أو هزيمة ديبلوماسية، بل هي فقط خطوة نحو الخيار الصحيح، خيار رابح/رابح، خيار ينقذكم من وهمٍ سكن أوصالكم طويلًا ولم تجنوا منه سوى الويلات والنكسات.
فهل تعتبرون؟