عبدالله ايت شعيب: المستحيل ما زال مغربياً...

عبدالله ايت شعيب: المستحيل ما زال مغربياً... عبدالله ايت شعيب
قبل أن نغوص في تفاصيل الواقع، علينا أن نتحلّى بشجاعة الصدق مع أنفسنا، فالأوطان لا تُبنى بالتغني بالإنجازات وحدها، بل بالاعتراف بالنقائص قبل الانتصارات.
 
من باب الأمانة الفكرية والوطنية، علينا أن نواجه ذواتنا بلا تجميل، وألا نغطي جراحنا بأوراق التوت، لأن التستر على العلل لا يشفيها، بل يزيدها تعفّناً.
 
لسنا في حاجة إلى من يُسكرنا بخطابات التفاؤل المفرط، بل إلى من يُوقظ فينا ضمير الحقيقة، مهما كانت مُرّة.
فمن التضليل، من حيث لا ندري، أن نقول إن "المستحيل لم يعد مغربياً" ونعمّم القول على كل الميادين، وكأن الواقع ورديّ لا تشوبه شوائب.
 
الصدق مع النفس هو أول الإصلاح، والاعتراف بالخلل ليس انتقاصاً من الوطن، بل دليل حبٍّ له وغيرةٍ عليه.
لذلك، من المنطق والإنصاف أن نقول ما هو حقيقة لا ما هو شعار، وأن نُقرّ بأنّ المستحيل ما زال مغربياً، ما دامت بعض العقليات ما تزال تُعانق الفساد، وتُعادي الإصلاح، وتخشى النور الذي يفضح العتمة، وما زال المواطن يعاني من واقع مرير ومن غلاء المعيشة الذي يثقل كاهله، ومن ارتفاع الأسعار التي تنهش مدخراته، ومن صعوبة تأمين أبسط ضروريات الحياة اليومية.
 
نعم، لقد حقق المغرب إنجازات تستحق الإشادة، ونجح في تجاوز العديد من الصعاب بفضل الرؤية الملكية المتبصّرة، وبتضافر جهود كثير من أبنائه المخلصين.
 
بل إننا كأمة ذقنا طعم "المستحيل" ذاته حين انتزع أشبال المغرب لقب كأس العالم لأقل من 20 سنة، فرفعوا الراية الوطنية في سماء المجد وأثبتوا أن الإرادة والعزيمة قادرتان على كسر القيود.
 
ومع ذلك، ورغم هذا النصر الرياضي الباهر، المستحيل ما زال مغربياً ما دامت القيمة تُقاس بالمصلحة، والضمير يُهمَس له بالصمت حين يُطلب منه أن يتكلم... من المبالغة القول إن "المستحيل لم يعد مغربياً"، لأن المستحيل ما زال قائماً – وبقوة – في القطاعات التي تُبنى عليها نهضة الأمم: التعليم، والصحة، وبناء الإنسان المغربي.
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دام الإصلاح يلامس الحجر أكثر مما يلامس الإنسان... صحيح أن الدولة تبذل جهدها وتوفّر كل ما هو مادي ممكن رغم ضيق الموارد، لكنها — ومهما حسُنت النوايا — لا تستطيع أن تدخل إلى العقول لتصلحها، ولا إلى القلوب لتطهّرها من أمراض الرشوة والأنانية.
فإصلاح الإنسان ليس قرارًا إداريًا، بل رحلة وعيٍ ومصالحةٍ مع الضمير. 
 
وبالتالي، المستحيل ما زال مغربياً لأننا لم نصل بعد إلى الإنسان الذي يجعل حب الوطن ضميرًا، لا شعارًا. 
المستحيل ما زال مغربياً في ميادين أكثر عمقاً وأشد إلحاحاً من كرة القدم :
المستحيل ما زال مغربياً ما دمنا نعجز عن تحقيق الإصلاح السياسي الحقيقي الذي يكرّس ديمقراطية فعلية تُحاسب المسؤول وتربط السلطة بالمساءلة.
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دام المواطن البسيط يشعر بأن صوته الانتخابي لا يغيّر الواقع، وأن إرادته تصطدم بجدار المصالح الضيقة والحسابات الحزبية.
 
ما زال المستحيل مغربياً ما دمنا لم ننجح في بناء إنسان مغربي جديد، ضميره يمنعه من الرشوة، وإيمانه بالوطنية يدفعه للإخلاص في العمل قبل المطالبة بالحقوق.
 
ما زال المستحيل مغربياً ما دام التعليم العمومي مريضاً، والصحة العامة مثقلة بالأوجاع، والعدالة الاجتماعية مطلباً مؤجلاً...
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دام المواطن يعاني من غلاء المعيشة الذي يثقل كاهله، ومن ارتفاع الأسعار التي تنهش مدخراته، ومن صعوبة تأمين أبسط ضروريات الحياة اليومية.
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دام المواطن يقف لساعات طويلة في طوابير الإدارات، يواجه بيروقراطية متجمدة، ويكتشف أن خدمات الصحة والتعليم العموميين عاجزة عن تلبية حاجاته الأساسية.
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دام المواطن يعيش حياةً مقيدة بالمحسوبية والمحاباة، وما دامت الكفاءة والإخلاص تُهمّشان أمام الولاءات الضيقة والمصالح الشخصية.
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دام العدالة الاجتماعية مطلبًا مؤجلاً يتكرر في الشعارات والخطب، ولا يلمسه المواطن في حياته اليومية، وما دامت الدولة عاجزة عن إيصال الإصلاحات الحقيقية إلى ضمائر الناس قبل الحجر.
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دامت بعض العقليات، من نخبة يُفترض أنها تقود الإصلاح، تخشى مواجهة الحقيقة، وتتحاشى إصلاح نفسها قبل أن تصلح الآخرين، وتخفي أخطاءها وراء شعارات التفاؤل المزيّف.
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دام المواطن يشعر أن صوته الانتخابي لا يغير الواقع، وأن إرادته تصطدم بجدار المصالح الضيقة والحسابات الحزبية، وأن القرارات تُتخذ في أبراج مغلقة بعيدًا عن ساحات الشعب.
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دامت الدولة توفّر الموارد المادية للبناء والتشييد، لكنها عاجزة عن بناء عقل حرّ وضمير حيّ، يُعيد للإنسان قيمه، ويغرس في قلبه حب الوطن الصادق قبل أي شعارات.

والمستحيل ما زال مغربياً — بل أكثر مرارة — حين نسمع عن فضائح يندى لها الجبين، كالمتاجرة في الشواهد العليا وبيع العلم في أسواق النفاق الأكاديمي.

حين يصبح القلم وسيلة للغش، والشهادة سلعة تُشترى، فكيف نطلب من المواطن أن يؤمن بالاستحقاق؟
وحين يَصدر ذلك من بعض من يُفترض أنهم نخبة المجتمع، من أساتذة وجامعيين ومثقفين، فإن الجرح يصبح أعمق، لأن خيانة القيم من أهلها أشدّ وقعًا من خيانة العدو.
 
المستحيل ما زال مغربياً ما دامت النخبة التي يُفترض أن تقود الإصلاح هي نفسها بحاجة إلى من يُصلحها.
وما دام الفكر النقدي يُعتبر تمردًا، والمواطنة الفاعلة تُقرأ كمعارضة، والاختلاف يُعاقب بدل أن يُحترم.
 
إنّ بناء الطرق والموانئ والمدن الجديدة لا يكفي إن لم نبنِ عقلاً حراً وضميراً حياً يؤمن بأن الإصلاح يبدأ من الإنسان قبل البنيان.
 
فالمستقبل لا يُصنع بالشعارات ولا بالأرقام، بل بالثقة المقرونة بالإصلاح، وبالمواطنة المقرونة بالمساءلة.
لذلك، ومن قلب الواقعية، يمكن أن نقول بثقة وصدق: 
لقد كسرنا المستحيل في كرة القدم…
لكن المستحيل ما زال مغربياً في السياسة، وفي الديمقراطية، وفي بناء الإنسان الذي ينهض بالأوطان، وفي كثير من القطاعات الحيوية. 
 
المستحيل ما زال مغربياً… وما دامت هذه الحقائق قائمة، فإن الاعتراف بها ليس انتقادًا سلبيًا، بل خطوة أولى نحو الإصلاح الحقيقي، نحو وطن يتقدّم بضمير المواطن قبل كل مشروع ومؤسسة. 
 
همسة أمل...:
المستحيل ما زال مغربياً… لكن كرة القدم أثبتت لنا درساً واضحاً: المستحيل ليس مغربياً حين تتوافر الوسائل، وتتوحد الإرادة، وتُوظف العزيمة السياسية في خدمة هدف وطني حقيقي.
 
لقد أظهر أشبال المغرب أن المواطن المغربي مجبول بطبعه على مواجهة التحديات وكسر القيود، وأن طموحاً صادقاً وإرادة حقيقية قادرة على تحقيق ما يبدو مستحيلاً.
 
إنه لو تم استدعاء نفس الإرادة، ونفس التصميم، ونفس العزيمة الوطنية التي صنعت الانتصار في الملاعب إلى ميادين التعليم والصحة والإصلاح الإداري وبناء الإنسان المغربي، لما بقي المستحيل قائماً في أي قطاع من قطاعات حياتنا الوطنية.
 
فالدرس واضح: المستحيل لا يُقاس بالمعوقات، بل بالقدرة على التغيير، وبالجرأة على مواجهة الواقع كما هو، وبالعزم على تحويل كل نقص إلى فرصة، وكل تحدٍ إلى إنجاز… وبذلك يصبح المستحيل ممكنًا.
 
يقول الحكماء : "المستحيل ليس حقيقة، بل اختبارٌ للإرادة… ومن يواجهه بإيمانٍ صادق وعملٍ متواصل، يحوّل القيود إلى جسور، والصعاب إلى إنجازات، ويصنع الممكن من قلب المستحيل…"*