دار الشباب الفضاء التربوي الذي يحتضن كل البرامج والأنشطة التي تترجم السياسة الحكومية في مجال استثمار الوقت الحر للشباب والأطفال بما يفيد في تكوينهم الشخصي. كما انها تعتبر امتدادا لسياسات القرب الموجهة نحو فئة الشباب من خلال توفير فضاءات للتعبير والابداع والتكوين والمشاركة المواطنة، الامر الذي يدعو الى تحديث هذا الفضاء وإعادة توزيع أدوار الفاعلين وتنظيمها وتحصينها بالقوانين وآليات تدبير فضائها بما يستجيب للانتظارات الحقيقية للشباب المغربي.
غير ان التحولات الإدارية والرقمية التي طالت طرق تدبير هذه المؤسسة افرزت واقعا جديدا، يتمثل في ظهور ما يمكن تسميته "الحاجب الرقمي" أي تلك الأنظمة والمنصات الرقمية التي كان يفترض ان تيسر الولوج الى الخدمات، لكنها في الممارسة العملية أضحت تقيد الوصول اليها وتضعف انخراط الفئات المستهدفة. والحال ان الدور الاستراتيجي الذي تلعبه مؤسسة دار الشباب في تأطير الشباب واحتضان هواياته وإبداعاته، أصبح من الضروري أن تكون مؤسسة فاعلة ومفتوحة ونشيطة ومؤثرة في الشباب، لتحقيق الدينامية الشبابية المساهمة في التنمية.
ففي سياق تتزايد فيه الدعوة الى التحول الرقمي في تدبير المرافق العمومية ، يبدو ان هذا التوجه، رغم أهميته قد افرز اشكالا جديدة من اللامساواة، لاسيما في الوسط الشبابي حيث لا تتوفر جميع الفئات على نفس القدرات الرقمية او الموارد المادية والتقنية للولوج السلس الى الخدمات، وبذلك يتحول النظام الرقمي للتسجيل في خدمات دار الشباب عن طريق البوابة من الية لتبسيط الخدمات الى الية غير مباشرة لأقصاء، تمس جوهر الحق في الولوج الى فضاء عمومي ، وتتناقض مع فلسفة مؤسسات القرب الاجتماعي التي تقوم على الانفتاح والاحتضان والمواكبة .
ان جعل دور الشباب ممكنة الولوج في حياة الشباب، لا مؤسسات إدارية بعيدة عنهم، يقتضي إعادة التفكير في أنظمة التسجيل والولوج من خلال تبني مقاربة مرنة تجمع بين الرقمي والحضوري، وتضمن المرافقة والتوجيه الفردي للشباب في مختلف المراحل، كما يستوجب الامر تبسيط لغة التواصل الإداري، وتوفير دلائل مبسطة ومساعدة ميدانية لتجاوز الفجوة الرقمية والاجتماعية فالغاية من التحول الرقمي ينبغي الا تكون رقمنه الاقصاء، بل دمقرطة الولوج، عبر تمكين كل شاب بغض النظر عن وضعه الاجتماعي ، من الوصول الى الخدمات التربوية والثقافية التي تمثل حقا من حقوق المواطنة، ان بناء علاقة جديدة بين الشباب و المؤسسات التربوية والثقافية تلزم القطع مع المشاريع والمبادرات في مجال الشباب والتنشيط التربوي التي تعاني من نزعة استنساخيه تعتمد على نقل نماذج أجنبية جاهزة دون تمثلٍ نقدي أو تكييف مع الخصوصيات السوسيو-ثقافية للمجتمع المغربي. ويتم غالباً تبني هذه النماذج من طرف مكاتب دراسات أو مؤسسات استشارية تستحضر البعد التقني والإجرائي فقط، في غياب رؤية فكرية أو فلسفية تحدد الغايات والمرجعيات التي ينبغي أن تؤطر الفعل العمومي الموجه للشباب. إن هذا الاعتماد الأعمى على التجارب المستوردة يُفرغ السياسات من بعدها التربوي والثقافي، ويحوّلها إلى مجرد “مشاريع ممولة” لا تحمل روحًا محلية ولا تنبني على فهم واقعي لاحتياجات الفئات المستهدفة. فالسياسات العمومية لا يمكن أن تنجح بمجرد تكرار وصفات مؤسسات أجنبية، بل تحتاج إلى تأصيل معرفي وفكري يُنبت الفعل في تربة المجتمع، ويجعل من التجارب الدولية مصادر إلهام لا قوالب جاهزة.