لن أتحدث عن تقنيات اللعب، والاستعدادات البدنية والنفسية والتقنية التي سبقت هذا الإنجاز، ولا حتى عن القيمة التقنية، الكروية، ليافعين وشباب مغاربة لم يقفلوا بَعدُ سِنّ التاسعة عشرة من أعمارهم؛
ولن أتحدث عن كون هؤلاء اليافعين رفعوا رؤوس العرب والأمازيغ والأفارقة، دفعةً واحدةً، في أكبر وأعظم عرس كروي في العالم...
كل هذا سأتركته للصحافيين الرياضيين، ومعهم جماهير اليوتيوبر ورواد شبكات التواصل الاجتماعي، وحتى التواصل اللااجتماعي، الذين يعلم الله كم يجلس الواحد منهم أمام مِرآته ليتدرّب على الحركات والسكنات المناسبة للظهور أمام كاميرات الهواتف الذكية، أو الأستوديوهات المنزلية، التي أصبحت كالمطابخ من فرط ما غزتها من إكسيسوارات التكَلُّف والتصَنُّع... كل هذا سأتركته جانباً، أو بالأحرى سأتركتُه لأهله، المستحقين وغير المستحقين!!
وإنما أردتُ هنا أن أعلّق وأعقّب على ظاهرة ثقافية لا تخلو من مسحة مهنية غريبة، تجعل المرء يستهجن كل هذا الزعيق الذي علا ضجيجُه بمجرد تصفير حكم مباراة المغرب والأرجنتين على نهاية اللقاء، معلنا فوز المنتخب المغربي "لليافعين الأكابر"، والأكابر فعلاً، بكأس العالم لكرة القدم!!
الموضوع وما فيه، أنني أستغرب للعرب والأفارقة، وحتى للمغاربة، الذين لا يجدون حرجاً في القول إن الفريق المغربي للأقل من عشرين سنة "حقق مفاجأة الدورة الحالية لكأس العالم"، وأنهم قدموا إنجازاً "لم يكن متوقَّعاً بكل المقاييس"، بفوزهم بهذا الكأس الرفيعة، والتي فازت بها الأرجنتين ست أو سبع مرات... والقول إن هذه الأرجنتين، بالذات، كانت منذ بداية هذه الدورة "المرشح الأكثر أهليةً للفوز بالكأس"، ومعها البرازيل وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية!!
حسناً... عن أي مقاييس يتحدث هؤلاء القائلون؟!
كيف يكون المنتخب المغربي للشباب قد حقق "المفاجأة"، وهو الذي بدأ هذه النهائيات بانتصاره الساحق أداءً ونتيجةً على إسبانيا، التي هي بطلة أوروبا؛ وانتصاره بعد ذلك على البرازيل، ملكة كرة القدم العالمية لعقود طويلة، وهي في الوقت نفسه بطلة أمريكا اللاتينية؛ ثم أتبع ذلك بالانتصار على كوريا الجنوبية، وهي الأكثر قوة وعناداً وقتاليةً في البطولة الآسيوية؛ ثم زاد على ذلك بالانتصار على الولايات المتحدة الأمريكية، التي اعتبَرها المتخصصون المرشح الثاني بعد الأرجنتين للفوز ببطولة هذه الدورة؛ ثم زاد منتخبُنا لأقل من عشرين سنة على كل ذلك انتصاراً مدوياً على فرنسا العنيدة، في نصف النهاية، محققا بذلك انتقاماً ولا أروع، من "هزيمة مشرفة وغير مفهومة" في إبانها، لفريقنا الوطني الأول أمام فرنسا في نصف نهاية البطولة العالمية التي احتضنتها الدوحة برسم 2022، والتي اطّلع العالم برمته خلالها على الظلم التحكيمي، السافر والفاضح، الذي تعرض له فريقُنا الوطني الأول في تلك المواجهة بتدبير مُبيَّت من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بجِلده وعظْمِه، وهو اللقاء الذي لا مجال للإطناب فيه ها هنا من جديد، فقد نال حقه من الصخب ومن المداد في حينه!!
كل هذا، بغض النظر عن هزيمة يسيرة لمنتخبنا الوطني للشباب، كانت متوقَّعة أمام المكسيك، بسبب خوضنا لمقابلتنا معه بفريق ثانٍ فقط، بعد أن تصدّرنا ترتيب المجموعة بفارق النقط واستطعنا بذلك ضمان المرور للدور الموالي، وتلك هزيمة لم تُغيِّر من ترتيبنا ولا من قيمتنا الميدانية قيد شعرة، بدليل ما تلاها من الانتصارات!!
طيّب... كيف يُعقَل بعد كل هذا المسار التصاعدي، المتتالي، في ذات البطولة وذات النهائيات، أن يقول عربيٌّ أو إفريقيٌّ أو حتى مغربيٌّ أصيلٌ إن منتخبنا بفوزه بكأس العالم قد "حقق مفاجأة الدورة"؟!!
لقد أجمع كل المحللين الكرويين، والمتتبعين المتخصصين في كل بقاع المعمور، على كون المجموعة التي وقع فيها المغرب بالقرعة هي بجدارة واستحقاق "مجموعة الموت"، لأنها ضمت فرقا مرشحة للفوز بالبطولة، فضلا عن كونها تشكّل رأس البطولات في مختلف القارات، أوروبا ممثَّلة بالإسبان؛ وأمريكا الشمالية ممثَّلة بمنتخب بلاد "العم ترامب"؛ وأمريكا اللاتينية ممثَّلة بمنتخب البرازيل سيدة الكرة وساحرتها على مر الحقب؛ وبالأرجنتين، بطلة العالم لسِتّ دورات؛ وبالمكسيك التي لاعَبْناها باقتصاد شديد، على سبيل إراحة المفاصل والعضلات والتخفيف من العياء؛ ثم آسيا ممثَّلة بكوريا الجنوبية، العقبة الشرسة والكَأْداء!!
وبالرغم من كل ذلك، سحق منتخبنا كل هذه القامات الكروية الشامخة، ليُقال عنه في نهاية هذا المطاف التاريخي والحافل إنه "كان مفاجأة الدورة"... ما لهؤلاء القائلين كيف يحكمون؟!!
ألم ير هؤلاء القائلون "بالمفاجأة المغربية" أن المغرب هو على التوالي وفي آن واحد:
1- رابع العالم في البطولة العالمية برسم الدورة السابقة، 2022، التي نُظمت بدولة قطر؛
2 - وأنه بطل العالم للفوتصال، بلا منازع، متفوقا بذلك على أعتى الأبطال العالميين في هذه الفئة، أمثال إسبانيا وألمانيا والبرازيل والأرجنتين وإيران؛
3 - أنه بطل إفريقيا للمنتخبات المحلية برسم دورة هذه السنة، بحصيلة قياسية من الأهداف؛
4 - أنه المتأهل عربياً وإفريقياً لكأس العالم لمنتخب السيدات لفئتَيْ السينيور والشباب؛
5 - أنه الحائز على برونزية الألعاب الأولمبية برسم الدورة الأخيرة، 2024 بباريس؛
6- أنه المتأهل الأول، وبالنقطة الكاملة، لنهائيات كأس العالم برسم دورة 2026 بالولايات المتحدة وشريكتَيْها المكسيك وكندا؛
7 - ثم إنه الحاصل على الرقم القياسي العالمي في عدد الانتصارات المتوالية بلا انقطاع، وهو 16 انتصاراً متتابعاً، متقدما بذلك على ملوك كرة القدم السابقين بلا استثناء!!
وبالمناسبة، فهؤلاء الأواخر، أقصد ملوك كرة القدم، ستتم الإشارة إليهم من الآن فصاعداً ب"الملوك السابقين"، بسبب هذا المسار المغربي الإمبراطوري، الذي لن نُخالف العقل والمنطق إذا عقّبنا عليه بالقول، وبالفم المليان:
"إن المغرب في الطريق إلى نزع صولجان المُلك في رياضة كرة القدم من البرازيل، التي ظلت ممسكة بِتاجِه منذ جيل بيليه، ووصيفتِها الأرجنتين، ومعهما فرنسا وألمانيا وإسبانيا وغيرهما"!!
ثم بعد هذا كله، يأتي إلينا اليوم مَن يقولون "إن المغرب حقق المفاجأة" بنيله لكأس العالم لأقل من عشرين سنة، وبفوزه الساحق، على التوالي، على كل من إسبانيا والبرازيل وكوريا الجنوبية وأمريكا وفرنسا... فعن أي "مفاجأة" يتحدّث هؤلاء؟.. ذاك هو السؤال!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد