في أرض، إذا لامستها الريح، تفوح بالعز، نبتت المرأة المغربية. ليست من طين فحسب، بل من ذهب عتيق عجنته القرون بالعزة والصبر. تقوم من كبوتها كما تقوم الصحراء من رماد العطش، تضحك في وجه الشدّة وتزرع في صخرها وردًا لا يعرف الذبول. هي أم الأبطال حين تشتد المعركة، وأخت الفجر حين يطول الليل. في عينيها بحر من الحكمة، وفي خطوتها صهيل أسلاف لا ينحنون. من رحمها خرجت الأناشيد، ومن صبرها تشكّلت الملاحم، ومن لسانها ولدت الحكايات التي لا تموت.
إنها المرأة التي لا تهزمها الريح، ولا يثنيها العرف، لا يقدر عليها القهر، ولا تكسرها المدن الباردة.
حين تتكلم، تتبدل الموازين، وحين تصمت، يصغي التاريخ.
من رشيدة داتي، النخلة التي تمشي بثقة الواحات وكرامة الجنوب، المرأة المغربية التي تحدّت الأساطير السياسية والاجتماعية، والتي جلست على كراسي القرار في باريس، كما كانت الملكة أروى بنت أحمد الصليحي تحكم بحكمة وقوة في اليمن القديم. لم تخلع عباءة الانتماء، بل حوّلت أصولها المغربية إلى سيف من حرير يقطع الصمت ويعيد تعريف القوة بأنوثة راقية.
وإلى نعيمة موتشو، إبنة الجنوب المغربي، التي عينت منذ 12 من هذا الشهر وزيرة في الحكومة الفرنسية، تحمل من ورزازات دفء شمسها، ومن المغرب جذورًا صلبة، كما كانت خنساء العرب تصنع من الكلمة سيفًا، ومن الحنكة درعًا، لتثبت أن الأصل لا ينسى، وأن الانتماء قوة لا تهزم.
إمرأتان، ومن على شاكلتهما، ليس في سيرتهما صدفة، بل درب من الكد والكرامة والتفاني.
لم تتنكرا لأصولهما، ولم تذوبا في الأفق الغربي، بل أنجبن هوية راقية تعلم العالم أن المغربيات لا يهاجرن بأجسادهن فقط، بل بأرواح تعرف طريقها بين الرمال والنجوم.
المرأة المغربية في القرى والمدن، في الوزارات والمراعي، في المختبرات والمشاغل،
تظل أجمل معادلة بين الصبر والطموح، وبين الحياء والعزيمة.
لا تنادى إلا وتلبي نداء الوطن، ولا تختبر إلا وتثبت أنها من معدن لا يصدأ.
هي التي إذا نطقت، نبت الورد، وإذا صمتت، اشتعل المعنى.
هي التي تصون العرض، وتبني المجد، وتحمل في رحمها مستقبل وطن، وفي عقلها حكمة أجدادها.
فيا من يظن أن الفخر يُورث، أنظر إلى المغربيات وقل: ها هنا أرض تنبت النساء في ثوب من حرير ونور، لا تهزم، لا تتراجع، ولا تنسى.