عزيز رويبح: في معنى اليسار باختصار!

عزيز رويبح: في معنى اليسار باختصار! عزيز رويبح
ربما ما لا يعرفه الكثير، في زحمة الإخفاقات والارتدادات الفكرية والسياسية والإيديولوجية وحتى السلوكية للأشخاص، أن اليسار ليس مجرد انتماء حزبي أو تنظيمي يلبي الهدف الدستوري الأهم لقواعد ومبادئ المشاركة السياسية وفق تعريفها في منظور العلوم السياسية، باعتباره مجرد بنية تبتغي الوصول إلى السلطة وتدبير الشأن العام في دولة ونظام يحترم – مبدئياً – قواعد التداول السياسي على السلطة في ظل وسياق التعاقد السياسي المعلن في الوثيقة الدستورية.
هذا الاستيعاب الطارئ والفهم القاصر معبران ومتفهمان في ظل ممارسة سياسية مجانبة لحدود المفهوم النبيل لمعنى السياسة، ومعنى الوطن، ومعنى المواطن، ومعنى التاريخ في ماضيه وحاضره ومستقبله، حيث يصبح التهافت المصلحي والقفز الفاضح على الأخلاق بمثابة القفز بالزيف لبلوغ المزيد من الجاه والحظوة، بما شكله هذا الاختيار المتواصل من منحى يفتقد إلى العمق اللازم. 
هذا الفهم لليسار فهم يكاد يكون انفعاليًا وسطحيًا، ترسخ بخطابات وشعارات ومفاهيم طفت على السطح بعد أن توارى المد المبدئي التأسيسي المثقل بالقناعات والمبادئ والقيم التي جاءت بها عصارة الحضارة الإنسانية بعد عهود مريرة من الظلم والقهر: قيم العدالة والمساواة والأخوة والكونية في الحقوق والالتزامات واحترام الاختلاف بغض النظر عن طبيعته ومداه.اليسار أكبر من ذلك بكثير. اليسار ليس شعارًا لمن أراده وتبناه، وليس جبة تستجيب لكل المقاسات والأهواء، مهما كانت قدرة “الزبون” الزعيم أو المريد على تكييف واقع حلمه ومبتغاه مع طموحاته في التدثر بقيم اليسار لنيل ثمار السياسة، ولو بالارتماء الماجن في أحضان العهر السياسي والاقتصادي والثقافي. اليسار أكبر من ذلك بكثير، ولو استحالت كل أحزاب اليسار إلى خيم برايات حمر تبيع الهوى والوهم وفتات الريع والتسلق والإفلات من نتائج الوهن والضعف والكسل وفقدان المبدأ وظيفيًا ومهنيًا واقتصاديًا.لماذا اليسار أكبر؟
اليسار اختيار وجودي وإنساني قبل أن يكون اختيارًا إيديولوجيًا أو سياسيًا. هو اختيار وتصور إنسي متجذر في الجينات: تربيةً وثقافةً وسلوكًا وأخلاقًا، سابقٌ للسياسة نفسها، لتبقى السياسة في حد ذاتها مجرد آلية وأداة لتصريف هذه القناعات. وفي حالة الفشل تبقى القناعة ثابتة والطريق متواصلًا ما دام خط التاريخ متصاعدًا، مهما كانت الخيبات والويلات العارضة.اليسار ليس وظيفة ولا احترافًا ولا حتى انتماءً تنظيميًا. اليسار فكر وثقافة وتنظير وأفق مفتوح على منافذ الأمل والجمال بكل أبعاده ومعانيه، ضمن فضاء الوطن أولًا؛ وطنٍ للجميع، تسوده العدالة والنزاهة والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية، والكرامة والتعايش الممكن والمتفاعل والمنتج لقيم الإبداع والارتقاء بالوطن. ولا أشك في حب أي أحدٍ له، بمن فيهم فتوات الريع والمنفعة والتسلط حيثما وجدوا، لكن النفس أمّارة بالسوء!اليسار أكبر من ذلك، والتاريخ شاهد على تضحياته وعطاءاته ومواقفه ومبادراته، سواء في لحظات العسر والقهر والظلم، أو في لحظات اليسر والحلم والانتقال والتوافق، أو بعبارة موجزة: لحظة تقاطع القناعات مع نظام سياسي بسببها أعلن طي صفحة ماضٍ وَلّى، باوراش ومؤسسات وقوانين وبنيات لا يشوش عليها سوى تنصل المثقف والسياسي من مسؤوليته في تحصينها والذود عنها بجرأة ووضوح في مواجهة العوارض المشدودة إلى الماضي وإلى ثقافة “أنا وحدي نُضوِّي البلاد”.اليسار عقيدة وفلسفة لن تموت ما دامت القضايا الإنسانية الحارقة حاضرة في جدول التاريخ الإنساني: من حروب وظلم وتفاوتات وفقر وتمييز وفصل بين البشر.
عقيدة مفادها أن الإنسان واحد؛ مصيره مشترك، وآماله في الأمن والسلام والعدالة الحقة مشتركة أيضًا.خلاصة القول: اليسار يسار عندما يثبت أن همه الأساس هو الإنسان والوطن، لا أقل ولا أكثر.
 
عزيز رويبح 
نقيب هيئة المحامين بالرباط