ميمونة الحاج داهي : في الحاجة ليسار يليق بالمغرب

ميمونة الحاج داهي : في الحاجة ليسار يليق بالمغرب ميمونة الحاج داهي 
 لم تعد أزمة اليسار المغربي أيديولوجية بقدر ما أصبحت بنيوية ومؤسساتية. فالتراجع الذي يعرفه هذا المكون لا يرتبط بانطفاء الفكر الاشتراكي، بل بفقدان اليسار لدوره الوظيفي داخل النسق السياسي المغربي، ولقدرته على تمثيل الفئات التي كان يتحدث باسمها.
تاريخيا فاليسار الذي نشأ في مرحلة الصراع مع السلطوية لم ينجح في التحول إلى يسار تدبيري بعد انفتاح الدولة على التعددية. لقد وجد نفسه عاجزا عن إعادة تعريف ذاته في سياق سياسي جديد يقوم على التوافقات والمؤسسات، وليس على المواجهة والإيديولوجيا. وهكذا تراجعت قدرته على التأطير الاجتماعي، وتقلص حضوره في النقابات، واهتزت مكانته في المشهد الانتخابي.
هذا التحول البنيوي لا يعني فقط ضعف التنظيمات، بل هو إشارة إلى انهيار ما يمكن تسميته بـ«العقد الرمزي» بين اليسار والمجتمع. فالفئات الوسطى التي كانت خزانه الانتخابي لم تعد تجد فيه تعبيرا عن مصالحها، والطبقات الهشة لم تعد تثق في خطاب العدالة الاجتماعية الذي لم يتحول إلى سياسات ملموسة.
لقد فقد اليسار المغربي إحدى أهم وظائفه المتمثلة في وظيفة الوساطة بين الدولة والمجتمع.
اليوم، يواجه اليسار سؤال المشروعية من جديد / ماذا يمثل؟ ومن يمثل؟
ففي الوقت الذي أعادت فيه الدولة توجيه سياساتها نحو النموذج الاجتماعي، ظل اليسار في موقع المتفرج، يردد شعارات دون أن يقدم أدوات تنفيذية أو تصورات واقعية. غابت عنه القدرة على إنتاج خطاب مؤسس، يقوم على تحليل بنية السلطة والاقتصاد بدل قيامه على مقولات الماضي أو المواقف الدفاعية.
إن اليسار الذي يليق بالمغرب هو الذي يستوعب طبيعة التحول الذي تعرفه الدولة الحديثة "من دولة المنح إلى دولة السياسات العمومي، ومن ثقافة الاحتجاج إلى ثقافة التقييم والمساءلة". يسار يدرك أن الإصلاح لا يُقاس بعدد الخطب، و إنما بمدى قدرة الفاعل السياسي على صياغة البدائل الممكنة داخل الإطار الدستوري والمؤسساتي القائم.
كما أن هذا اليسار مدعو إلى تجاوز ازدواجية الخطاب التي جعلته تارة في موقع المعارضة الرمزية، وتارة في موقع المشاركة الصامتة. فالمواطن اليوم لم يعد يفرق بين من يحكم ومن يعارض، حتى أنه أصبح يحاسب الجميع على النتائج.
اليسار الذي يليق بالمغرب ليس يسارا هوياتيا، يليق به يسار الكفاءة و الإقتراح. يسار يعيد الاعتبار للمفهوم الأصلي للعدالة الاجتماعية، ويشتغل على قضايا التنمية البشرية، الحماية الاجتماعية، والمجال الترابي، انطلاقا من رؤية عقلانية تُوازن بين الإصلاح الاقتصادي والإنصاف الاجتماعي.
لقد انتهى زمن اليسار الذي يكتفي بالخطاب الأخلاقي، وحان وقت اليسار القادر على إنتاج معرفة سياسية جديدة، تستند إلى تحليل الواقع لا إلى ترديد المقولات.
فالمستقبل لن يكون لمن يرفع الشعارات، بل لمن يمتلك القدرة على تحويلها إلى سياسات عمومية قابلة للقياس.
وكما قال عبد الرحيم بوعبيد: "إن النضال الحقيقي لا يقاس بما نكسبه من مواقع، بل بما نمنحه من معنى للعمل السياسي."
ذلك هو جوهر اليسار الذي يليق بالمغرب، يسار لا يكتفي بالوجود فقط إنما يسعى لإحداث أثر حقيقي، مع الحفاظ على قيمه، ومبادئه، ووفائه لمصلحة الوطن والمواطن.