من بين ما تميز به خطاب جلالة الملك محمد السادس يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025 في افتتاح الدورة الأولى التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، التأكيد على أن وسائل الإعلام تتحمل الى جانب الأحزاب السياسية والمنتخبين، والمجتمع المدني وكل القوى الحية مسؤولية تأطير المواطنات والمواطنين.
وفي هذا السياق، جاء في الخطاب الملكي ، إنه ينبغي :" إعطاء عناية خاصة لتأطير المواطنين، والتعريف بالمبادرات التي تتخذها السلطات العمومية ومختلف القوانين والقرارات، ولا سيما تلك التي تهم حقوق وحريات المواطنين بصفة مباشرة"، مؤكدا، بأن هذه المسألة ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإنما هي مسؤولية الجميع، وفي مقدمتهم البرلمانيين، لأنهم يمثلون المواطنين.
وشدد على أن ذلك، "أيضًا مسؤولية الأحزاب السياسية والمنتخبين بمختلف المجالس المنتخبة، وعلى جميع المستويات الترابية، إضافة إلى وسائل الإعلام وفعاليات المجتمع المدني، وكل القوى الحية للأمة".
مرحلة جديدة
فهذه الإشارة الملكية المهمة، يتعين أن تدشن مرحلة جديدة في التعاطي مع قطاع الصحافة والاعلام حتى يتمكن أن يضطلع بدوره الحقيقي هامة في مجال التواصل، وأن تساهم كافة مكونات المشهد الإعلامي من مختلف المواقع في النقلة النوعية المطلوبة التي تتطلب في البداية توسيع هوامش حرية التعبير، والانكباب العاجل على تنقية الأجواء الصحفية، من خلال ابداع المبادرات تمكن وسائل الاعلام بمختلف أنواعها من القيام بمهامها باستقلالية ومهنية.
كما دعا الخطاب الملكي إلى الاستثمار الأمثل لفوائد التي توفرها التقنيات الحديثة، وهي إشارة ملكية دالة للاستفادة من التحولات التكنولوجيات الجديدة، وذلك ارتباطا بالتحول الكبير الذي قال جلالته نسعى إلى تحقيقه على مستوى التنمية الترابية، والذي يقتضي تغييراً ملموساً في العقليات وفي طرق العمل، وترسيخاً حقيقياً لثقافة النتائج، بناءً على معطيات ميدانية دقيقة، واستثماراً أمثل للتكنولوجيا الرقمية.
اصلاح الإعلام
ان تأكيد الخطاب الملكي على دور وسائل الاعلام ،الى جانب الهيئات السياسية والمنتخبين والمجتمع المدني ومعهم كل القوى الحية، يتطلب أن يفتح الباب لمبادرات، تؤدى الى اصلاح حقيقي للإعلام، تمكنه أولا من تجاوز حالات الوهن والعجز الذي يعاني منه، نتيجة أسباب وأعطاب ذاتية وموضوعية، وهو ما يقتضى الانخراط الفعلي لوسائل الاعلام في التحولات المتسارعة ليس على المستوى التكنولوجي فقط، ولكن مع المتغيرات المجتمعية التي أصبحت تتجاوز الأسئلة العتيقة، التي لم تعد تتلاءم مع الوضع الراهن الذي أضحى يطرح تحديات من نوع آخر.
كما أن متطلبات الرأي العام وحاجياته المستجدة، لن يتحقق الا عبر اعلام مهني مستقل، ذو جودة، يقدم خدمة عمومية في الأخبار والتثقيف والترفيه، اعلام يسعى الى البحث عن الحقيقية، مهني تعددي، ملتزم بقواعد أخلاقيات المهنة، قادر على مواجهة التهديد الغير مسبوق، بسبب الذكاء الاصطناعي كما سجل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي أوضح بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، في ثالث ماي 2025، بأن الذكاء الاصطناعي "يمكن إما أن يدعم حرية التعبير أو يكتم صوتها، وأن حرية الصحافة تواجه "تهديدا غير مسبوق ".
حرية ومصداقية
كما أنه لا سبيل لنهوض وتطور صحافة جيدة دون ممارسة لحرية التعبير، لا يمكن للإعلام أن يكتسب المصداقية الضرورية وأن ينهض بالدور المنوط به ويتبوأ المكانة الجديرة به في الحياة العامة ما لم تمارس هذه الحرية في نطاق المسؤولية، - كما جاء في الرسالة الملكية الموجهة إلى أسرة الصحافة في 15 نونبر 2002 ، والتي وجه فيها أيضا خطابه الى الإعلاميين المهنيين، بقوله بأنهم " يتحملون مسؤولية تاريخية الى جانب الدولة ومع كافة الفاعلين في الحياة العامة لتحقيق مشروع أن يكتسب كل مواطن مقومات ثقافة الممارسة الديمقراطية التي يعمل الجميع على تشييدها".
بيد أن المشهد الإعلامي الوطني لا يمكنه أن يرفع تحديات الألفية الجديدة التي تفرضها عولمة بث البرامج المعروضة عبر وسائل الإعلام والتعميم التدريجي للاستفادة من مؤهلات مجتمع المعرفة والاتصال، مالم تتم إعادة النظر بصفة جذرية في مناهج عمله وما لم تتوفر له النصوص القانونية والأدوات والموارد اللازمة.
جهود ومؤهلات
وإذا كان جلالة الملك قد عبر سنة 2002، وقبل دستور 2011 عن أمله الكبير في ذات الرسالة، أن يتمكن المشهد الإعلامي الوطني من بلوغ المستوى الخليق ببلادنا من خلال تضافر جهود ومؤهلات الجميع وإدراك حقيقي لدور الإعلام ومكانته في تنشيط الحياة الديمقراطية الوطنية، فإنه يمكن التساؤل، هل فعلا تمكنت كافة مكونات المشهد الإعلامي من مختلف المواقع والحساسيات ونحن نعيش في زمن اللايقين، وسيادة التفاهة، والانتهاك المستمر قواعد أخلاقيات المهنة، وترويج المعلومات المضللة، أن تكون في الموعد خاصت في عصر الثورة الرقمية التي أنهت احتكار الصحافة للأخبار والمعلومات؟.
وعلاقة بالخيار الديمقراطي، فيلاحظ، بأن قدرة ميديا الاعلام على تعزيز الديمقراطية مازالت جد محدودة، في الوقت الذي هناك من يعتبر بأن وسائل الاعلام مسؤولة عن السلبيات التي تعاني منها الديمقراطيات الناشئة أو تلك التي تعرف انتقالا ديمقراطيا. غير أنه في الحالة التي تكون فيها مؤسسات الوساطة، منها الأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، قد فقدت مصداقيتها، فإن الإعلام، يمكنه في حال اخضاعه للإصلاح، أن يظل حاضرا، لكونه الأداة الرئيسة لتشكيل الرأي العام وتوفير المعلومات المخالفة خاصة منها المرتبطة بتدبير الشأن العام.
التزام ويقظة
وبالعودة للخطاب الملكي في افتتاح السنة التشريعية، دعا جلالة الملك البرلمانيين إلى تكريس العام الأخير من عمر البرلمان، للعمل بروح المسؤولية، لاستكمال المخططات التشريعية، وتنفيذ البرامج والمشاريع المفتوحة، والتحلي باليقظة والالتزام في الدفاع عن قضايا الوطن والمواطنين .
وما دام الهدف هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين، أينما كانوا، فإن جلالة الملك أكد على أنه لا ينبغي كذلك، أن يكون هناك تناقض أو تنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، مذكرا بالدعوة التي تضمنها خطاب العرش الأخير إلى تسريع مسيرة المغرب الصاعد، وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، وهي من القضايا الكبرى التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني يؤكد جلالته الذي شدد في هذا السياق على توجه المغرب الصاعد نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، يتطلب اليوم تعبئة جميع الطاقات.