عمر المصادي: النموذج التنموي الجديد.. طموحات كبرى وصعوبات في التنزيل

عمر المصادي: النموذج التنموي الجديد.. طموحات كبرى وصعوبات في التنزيل عمر المصادي
في سياق السعي نحو تجديد النموذج التنموي الوطني، أطلق المغرب وثيقة "النموذج التنموي الجديد" كخارطة طريق استراتيجية تروم بلوغ تنمية شاملة ومستدامة في أفق سنة 2035، غير أن الواقع العملي كشف عن صعوبات حقيقية في تطبيق هذا المشروع الطموح، ما يدفع إلى التساؤل حول أسباب هذا التعثر، رغم ما حظيت به الوثيقة من دعم سياسي ومجتمعي واسع.

تم تقديم هذا النموذج في 2021 بعد عمل استشرافي عميق قامت به اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، وركز على محاور حيوية مثل تحسين جودة التعليم، وتقوية الإقتصاد الوطني، وتعزيز الحماية الإجتماعية، وتطوير الجهوية المتقدمة، فضلا عن ترسيخ الحكامة الجيدة.

لكن بعد مرور تقريبا أربع سنوات على إطلاقه، تطرح تساؤلات حول ما تحقق فعليا من هذه الأهداف، خصوصا في ظل التحديات البنيوية التي يواجهها المغرب، سواء داخليا أو في ظل السياق الدولي المضطرب.
 
فرغم التبني الرسمي للنموذج من قبل الحكومة، إلا أن التنزيل على أرض الواقع ظل محدودا ومتذبذبا، إذ لم تفعل بعد العديد من الإصلاحات المؤسساتية والإدارية التي نصت عليها الوثيقة، ولم يتم وضع جداول زمنية دقيقة أو مؤشرات واضحة لتتبع التقدم المحقق، وهذا ما يجعل النموذج أشبه بـ"رؤية استراتيجية" أكثر من كونه برنامجا عمليا.
 
فرغم المجهودات المبذولة على مستوى السياسات العمومية، لا تزال الفوارق المجالية والإجتماعية قائمة بشكل واضح في المغرب، وتعد هذه الفوارق من بين أبرز التحديات التي تعيق تفعيل النموذج التنموي الجديد، الذي جعل من العدالة المجالية إحدى ركائزه الأساسية.

ففي الوقت الذي تستفيد بعض المناطق من مشاريع تنموية وخدمات أساسية، تعاني مناطق أخرى، خاصة القروية والجبلية، من التهميش وضعف البنيات التحتية وغياب فرص الشغل والخدمات الصحية والتعليمية الجيدة.

ويسهم هذا الوضع في تكريس الإحساس بعدم المساواة بين المواطنين، كما يضعف الثقة في السياسات العمومية ويعطل مسار التنمية المتوازنة والشاملة.

من هنا، فإن تقليص الفوارق المجالية والإجتماعية لم يعد مجرد مطلب اجتماعي، بل ضرورة استراتيجية لإنجاح أي نموذج تنموي حقيقي.
 
وتعد البيروقراطية من أبرز العراقيل التي تواجه تنفيذ النموذج التنموي، فالمساطر المعقدة، والتأخر في اتخاذ القرار، وتداخل الإختصاصات بين مختلف المتدخلين، كلها عوامل تعطل تحقيق التغيير المنشود.
 
كما أن من العوامل التي برزت أيضا في هذا السياق، ضعف الكفاءات في تدبير المشاريع على المستوى الترابي، سواء على صعيد الجماعات المحلية أو على مستوى الجهات، إذ يلاحظ وجود فجوة بين ما تقترحه الوثيقة من توجهات، وما يمكن للإدارة العمومية، بتركيبتها الحالية، أن تنجزه.
 
بالإضافة إلى أن تنفيذ النموذج يتطلب موارد مالية ضخمة، وهو ما يعد تحديا كبيرا في ظل الأزمات الإقتصادية التي عرفها المغرب والعالم في السنوات الأخيرة، خصوصا جائحة كورونا، والجفاف، وارتفاع الأسعار...، فغياب تمويل مستدام ومتنوع يجعل من الصعب تحقيق التحولات المأمولة.
 
ويثيرها عدد من المتتبعين ملاحظات وهي غياب إستراتيجية تواصل فعالة تعرف المواطنين بالمضامين الحقيقية للنموذج، وتحثهم على الإنخراط فيه كمشروع وطني جامع، فغياب هذا البعد التشاركي يضعف الأثر المجتمعي للسياسات العمومية.
 
وفي خضم هذه التحديات، تبرز أهمية الدور المحوري لكل من الإعلام الجاد والأحزاب السياسية المسؤولة. فالإعلام ليس فقط وسيطا ناقلا للمعلومة، بل يجب أن يتحول إلى فاعل مواكب ومراقب وناقد بناء، يسلط الضوء على النقائص، ويحفز النقاش العمومي حول الأولويات التنموية.

من جهة أخرى، تقع على عاتق الأحزاب السياسية مسؤولية جوهرية في تفعيل النموذج، من خلال إدماج محاوره في برامجها، وتكوين نخب قادرة على تحمل المسؤولية، والعمل ميدانيا على تأطير المواطنين والمساهمة في تعبئتهم، فبدون أحزاب قوية، متجددة، ومرتبطة فعليا بالمواطن، يصعب الإنتقال من الوثائق إلى الإنجاز الفعلي.
 
وفي الأخيرة يجب التأكيد على أنه رغم الصعوبات المذكورة، يظل النموذج التنموي الجديد إطارا استراتيجيا مهما، يعكس وعيا جماعيا بضرورة الإنتقال إلى مرحلة جديدة من التنمية، غير أن النجاح في ذلك يتطلب تعبئة وطنية شاملة، وإصلاحات عميقة على مستوى الحكامة والتمويل، إلى جانب إعلام مهني مستقل، وأحزاب حقيقية مسؤولة تحمل هموم المواطن وتسهم في قيادة التغيير.

فالرهان الحقيقي لا يكمن فقط في امتلاك وثيقة مرجعية، بل في القدرة الجماعية على ترجمتها إلى مشاريع واقعية تحدث الفرق في حياة المغاربة.