رضوان زهرو: في تدبير الاحتجاج.. بين تغيير بعض الوزراء وإعفاء رئيس الحكومة

رضوان زهرو: في تدبير الاحتجاج.. بين تغيير بعض الوزراء وإعفاء رئيس الحكومة رضوان زهرو
ما حقيقة الاحتجاجات الحالية؟ ما أسبابها؟ ما سياقاتها؟ وكيف سينجح المغرب في تدبيرها وتجاوز تداعياتها؟ وإلى أي حد يمكن اعتبارها بمثابة مؤشر على تحول سياسي هادئ ورصين؟
ما يميز هذه الاحتجاجات هو السلمية والمطالب المشروعة؛ منها إسقاط الفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، والتشغيل، وجودة ومجانية التعليم والتطبيب، وضمان تكافؤ الفرص والحياة الكريمة.
 
ومن أجل الخروج بأقل الخسائر من هذه "العاصفة" الجديدة، يعرف المغرب جيدًا كيف يتكيف معها، بالتعبير الواضح والصريح، وبالمبادرات الجريئة التي تكسر إيقاع الاحتجاج، وبترجمة هذه المبادرات إلى إصلاحات سياسية واجتماعية شاملة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الاستقرار.
 
وهكذا، فالمؤسسة الملكية، بقوتها ونضجها، قادرة على التكيف والتجاوب مع المطالب المعقولة، عبر إطلاق مجموعة من المبادرات؛ بدءًا بالمبادرات ذات الطابع الاجتماعي، التي تمس المعيش اليومي للمواطن، وانتهاءً بالمبادرات السياسية والمؤسساتية؛ منها تغيير بعض الوزراء أو حتى إعفاء رئيس الحكومة.
 
فإذا كانت التجارب الدستورية التي سبقت دستور 2011 قد أجازت للملك، وبشكل صريح، حق إقالة الوزير الأول، فإن دستور 2011 ليس فيه ما يشير صراحة إلى إمكانية إقالة الملك لرئيس الحكومة؛ وهو ما يحمل أكثر من دلالة، مفادها احترام الملك لإرادة الأمة التي اختارت رئيس الحكومة باختيارها للحزب الذي ينتمي إليه.
 
بيد أن الوضع الدستوري المتقدم للملك – وفي أكثر من فصل دستوري – قد خول، بشكل غير مباشر، للملك هذه الإمكانية؛ فحقه في حل مجلس النواب – بناءً على الفصل 51 – يجعل من إعفاء رئيس الحكومة حقًا قد يمارسه الملك بشكل غير مباشر، طالما أن هذا الأخير إنما يستمد شرعيته من انتمائه للحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء هذا المجلس. وبالتالي، فحل مجلس النواب من طرف الملك، معناه الدعوة الضمنية لرئيس الحكومة إلى تقديم الاستقالة، طالما أن أساس التواجد قد فقد ومصدر الشرعية قد غاب؛ وهو ما يُعبَّر عنه في بعض الأنظمة المقارنة بـ"الإقالة المبطَّنة بالاستقالة".
 
وإن كان الخطاب الذي وجهه الملك إلى الأمة حول مشروع الدستور الحالي بتاريخ 17 يونيو 2011 قد أكد على "الانبثاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية بقيادة رئيس الحكومة"، وفي هذا الصدد، سيتم الارتقاء بالمكانة الدستورية "للوزير الأول" إلى "رئيس للحكومة"، وللجهاز التنفيذي الذي يُعيَّن من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، تجسيدًا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر، إلا أن ذلك لا يعني منح رئيس الحكومة شيكًا على بياض في الاختيار والعمل ورسم التوجهات الكبرى والاستراتيجية للبلاد، وإنما يعني بالدرجة الأولى تقوية مكانته كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية وفاعلة، تسمح له بتحمل مسؤولياته الحكومية التي يتضمنها برنامجه الحكومي، والعمل على تطبيقه وفق المتفق بشأنه مع ممثلي الأمة أثناء تقديمه لهذا البرنامج أمام البرلمان، توطيدًا لمبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها.
 
إن أي حكومة ناجحة يجب أن تتوفر على برنامج شامل ومتكامل، يحقق الطموحات باختيارات وبرامج دقيقة وتوجهات استراتيجية محددة؛ فمشروع قانون المالية السنوي مثلًا يعتبر أهم مناسبة لتكريس هذه الاختيارات وهذه البرامج؛ لذلك، فهو يحتاج إلى الكثير من الخبرة والكفاءة والتأهيل. وهو ما عبّر عنه الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية 2010-2011، عندما اعتبر أن "الأمر لا يتعلق بالمناقشة والتصويت على مجرد موازنة حسابات وأرقام، بل بالتجسيد الملموس للاختيارات والبرامج التنموية الكبرى للبلاد".
 
وهو ما أكده كذلك وبصريح العبارة الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية التاسعة بتاريخ 11 أكتوبر 2013، حينما اعتبر أن "المجالس الجماعية هي المسؤولة عن تدبير الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن كل يوم، أما الحكومة، فتقوم بوضع السياسات العمومية والمخططات القطاعية وتعمل على تطبيقها".
 
وجاء خطاب المسيرة لـ6 نونبر 2016 ليكرس هذا المعنى بكل صراحة ووضوح، عندما أكد جلالة الملك على ضرورة أن تكون الحكومة "مؤهلة في تخصصات قطاعية محددة"، كما أكد جلالته في الوقت نفسه أنه "لن يتسامح مع أي محاولة للخروج عن هذه المنهجية"؛ المنهجية الدقيقة في الاختيار، المبنية فقط على الكفاءة والتخصص والتأهيل، وليس على أي شيء آخر، وذلك ضمانًا لتنمية الدولة وتقدمها واستقرارها واستمرارها.
 
وغير ذلك، فالملك يتمتع بسلطات واسعة تمكنه من ممارسة اختصاصاته في شتى المجالات التي لها ارتباط بانتظام أحوال الدولة وضمان دوامها واستمرارها، وخاصة تلك التي لم تُسند صراحة لا للبرلمان ولا للحكومة؛ وهو ما يمكن أن يُستشف أساسًا من منطوق الفصلين 41 و42 من دستور 2011:

"الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية..." و"الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة..."
 
وهو تقريبًا نفس محتوى الفصل 19 من دستور 1996 الذي كان ينص على أن "الملك أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات، لكونه الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة، على أساس ألا تُنتهك حرمته لقداسة شخصه".
 
إذن، هي دعوة ملكية صريحة لكي تتوفر الحكومة، أي حكومة، على كفاءات وطنية حقيقية، بمواصفات دقيقة ومؤهلات استثنائية. وزراء يتوفرون على الصفات والسمات والمؤهلات الدقيقة والمطلوبة لتقلد مهنة جسيمة وثقيلة وكبيرة؛ وهي "مهنة وزير".
إن الحكومة، أي حكومة، هي في الواقع مجرد وسيلة وآلية للعمل؛ وهي تكليف ومسؤولية، وليست شرفًا أو ترفًا أو مجدًا؛ وهي قبل كل شيء عبء ثقيل وأمانة عظيمة.