في زمن تتعالى فيه الأصوات من كلّ حدب وصوب، يشتدّ فيه الصّراع بين التّيّارات والمصالح، يظلّ صوت المواطن الصّادق، المتجرّد من الأهواء والمصالح الشّخصيّة، هو الأصدق والأنقى والأبقى والأتقى. أنا مواطن مغربيّ أحبّ هذا الوطن، بكلّ ما فيه من جمال وتنوّع وتاريخ.. وأخشى عليه – كما يخشى عليه الكثيرون – من الفوضى الخلّاقة والانزلاق إلى ما لا تُحمد عقباه لا سمح الله.
جميعنا يتابع ما يحدث في دول عربية شقيقة، حيث كانت النّوايا نبيلة وحسنة في بداية الحراك؛ رفعت فيها يافطات: مكافحة الفساد، العدالة الاجتماعيّة، ورفع الظّلم والحيف والحڤرة عن المواطنين... لكن سرعان ما تدحرجت كرة الثّلج وكبرت وتحوّلت الأحداث إلى فوضى، ثمّ إلى ساحات صراع ضيّق داخلي؛ انتهى به المطاف إلى صراع إقليمي ودولي، فانتهى به الأمر إلى الخراب، والدّمار، والفتن التي لا تزال مشتعلة حتى يوم النّاس هذا وذلك رغم النّوايا النبيلة للمحتجّين والمتظاهرين!!.
ولهذا، فإننا – في المغرب – نؤمن أن الإصلاح الحقيقي يجب أن يكون من الداخل، بعقلانية، وبآليات تشاركيّة تحفظ استقرار البلاد، دون أن تُجهض المطالب المشروعة المحقة للمحتجين.
هل علينا أن نصدق مقولة: الفساد واقع… لكن الإصلاح وهما؟!!!..
لا أحد ينكر أن الفساد واقع مر، وأنه يشكّل عقبة حقيقية أمام التنمية والعدالة الاجتماعيّة. لقد أثبتت تقارير، أنّ قطاعات مثل الصحة، والتعليم، والصفقات العمومية، تعرف اختلالات كثيرة للمصالح الشّخصيّة والمحسوبيّة. لكن الوعي بذلك لا يعني بالضرورة أن تسعّر بها النار، بل أن نُطفي جذوتها قبل أن تلتهم كل شيء لا سمح الله.
بين الصّمت والتّخريب… توجد مساحة اسمها “ المواطنة الواعيّة والمسؤولة”.
إن المواطن الحر الغيور على وطنه، ليس هو من يصمت خوفا، ولا من يصرخ بلا وعي وبلا إدراك للعواقب. بل هو من يُسائل ويقترح، يُراقب ويُبلغ، ويطالب بحقوقه ضمن احترام هيبة البلاد ومؤسساتها، لأنه يدرك أن حماية الوطن وممتلكاته مسؤوليّة الجميع، كل حسب موقعه واختصاصاته.
ما هو مطلوب اليوم من وجهة نطري المتواضعة.
المطالبة بإصلاحات مؤسساتية حقيقية: تفعيل دور هيئات الرقابة، ومحاسبة كل من يثبت تورطه، يعني ربط المسووليّة بالمحاسبة.
دعم الإعلام النزيه والموضوعي، الذي ينقل الواقع كما هو، دون تضخيم ولا تلميع ولا تمييع ولا تشهير ولا تشويه..
تشجيع ثقافة المشاركة الفاعلة والمؤثرة، خصوصا من طرف الشباب، بدل الانسحاب والعزوف أو السخرية من المنظومة الدّيمقراطيّة.
التمسك بالاستقرار، لأنه شرط أساسي لأيّ تنمية أو إصلاح ممكن وجادّ.
التمييز بين الوطن والنظام: فحب الوطن لا يعني السكوت عن الفساد والإفساد في الأرض، كما أن انتقاد الفساد لا يعني معاداة الوطن وجرّه إلى المجهول تحت أي طائلة كانت..
هل المطالبة بالإصلاح تعد مستحيلة!؟
لا أحد يبحث عن المدينة الفاضلة، ولا أحد يطالب بالمستحيل. ما هو مطلوب ومفتقَد بالفعل، هو وطن نعتز به أكثر، حيث يشعر فيه المواطن أن كفاءته مقدّمة على علاقاته الشّخصيّة.. وأن إدارة القرب هي بالفعل من أجله، وأن كرامته محفوظة عند التوجه إليها دون خجل أو خوف، وأن صوته مسموع ضمن ما يسمح به القانون. نريد مغربا يرتقي بأبنائه، ولا يضطرهم إلى ركوب قوارب الموت والمجهول من الهجرة، أو التّذّمّر في صمت..
هذا نداء من قلب محب، لا يطلب إثارة ولا شهرة، بل يسعى إلى أن يكون “الدّالّ على الخير كفاعله”.
حفظ الله المغرب، ملكا وشعبا، ووفّقنا جميعا لما فيه خير البلاد والعباد. وجنّبنا الله الفتن ما ظهر منها وما بطن.