عاد السيد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق، إلى محاولة لعب لعبته القديمة التي لعبها في 2011، عندما واجه حركة 20 فبراير. فقد لجأ مرة أخرى إلى استعمال الملكية والملك في تفاعله مع احتجاجات شباب "جيل Z"، الذي يلفه (التفاعل) في غلاف "النصائح" و"التوجيهات". والحال أن شباب هذا الجيل حرصوا منذ البداية على أن يؤكدوا أن مبادرتهم بالخروج إلى الشارع من أجل الاحتجاج ليست ضد الملكية أو ضد الملك، وأنهم لا يستهدفون لا الدولة ولا مؤسساتها، وشددوا، حتى قبل أن يتظاهروا، على أنهم لا يمارسون السياسة، ونبهوا إلى أنه لا انتماء حزبي يجمعهم، وأن ما جمعهم هو مطالب اجتماعية رأوا أنه لم يعد من الممكن السكوت عنها.
ولذلك، لم يتركوا لبنكيران فرصة ليلعب لعبته مرة ثانية، ويقدم نفسه في صورة المدافع عن الملك والمنقذ للملكية، مثلما ظل يردد في كل مناسبة أتيحت له، مدعيا إنقاذها حينما كانت معرضة للخطر في 2011، ومرددا أن موقفه المعارض لحركة 20 فبراير ولاحتجاجاتها في الشارع كان له الفضل في إنقاذ الملكية!!
لكن، يبدو أن بن كيران لم يفهم رسالة شباب "جيل Z"، رغم أنه ظل يردد في خرجته اليوم، مثلما فعل في خرجته السابقة، أن رسالتهم وصلت. قد تكون الرسالة وصلت إلى الجهات التي تَهُمُّها. أما هو، فيبدو أنه لا يزال يعيش على ذكريات 2011، ويحلم بما غنمه منها.
عوض أن تُقْحمَ نفسك في حركة الشباب وتتدخل في طريقة احتجاجاتهم وتعطي لنفسك الحق في مطالبتهم بمراجعة قراراتهم، وتتولى تقديم اقتراحات تخص مواعيد احتجاجاتهم وأيامها، تَحَمَّل مسؤوليتك السياسية والحزبية، وبادر إلى تقديم اقتراحات لإيجاد حلول للمشاكل التي خرجوا من أجلها. بادر إلى تقديم اقتراحات لحل مشاكل التعليم والصحة ومحاربة الفساد وباقي المشاكل التي صاغوها في لائحة مطالبهم المركزية، التي لا بد أنها بَلَغَتْك واطَّلَعْت عليها، مثلما تبلغك إعلاناتهم للتو كم قلتَ عن إعلانهم الأخير موضوع نصائحك وتوجيهاتك.
الحكاية وما فيها أن شباب "جيل Z" أعلن، اليوم، أن احتجاجاتهم ستتوقف مؤقتًا يومي الثلاثاء والأربعاء، لتُستأنف يوم الخميس. لكن السيد عبد الإله بن كيران سارع إلى دعوتهم إلى مراجعة الإعلان الذي اعتبره "غير موفق من الناحية السياسية"، واقحم الملك والملكية والاستفزاز والضغط، وخطاب الجمعة... إلخ، ونسج واقعا من عنده ووضعه في سياق خاص ثم أخذ يختلق المعاني التي يريد. هكذا قال مخاطبا الشباب الذي خرج من أجل الصحة والتعليم ومحاربة الفساد: "هذا الإعلان سيُفهم منه أنكم تستجمعون قوتكم اليوم وغدا لتضغطوا بها يوم الخميس بين يدي خطاب جلالة الملك الذي سوف يكون يوم الجمعة. وهذا سْمْحُو لِيَّ من الناحية السياسية إعلان غير موفق. أنا أدعوكم إلى أن تراجعوا هذا الأمر (...). المغارْبة ما تيبغيوش اللي كيتعامل بهادشي مع جلالة الملك"!!
كلام يُعْفي كل من سمعه أو قرأه من أي تعليق. فقط وللتذكير، إن 2025 ليست هي 2011. وفي جميع الأحوال والظروف، وبحساب التاريخ والسياسة والرياضيات، لن تكون 2025 هي 2011.
وبحساب التاريخ والسياسة فقط، فإن السيد عبد الإله بن كيران لا يقع خارج الدائرة المسؤولة عن المشاكل التي كانت وراء خروج شباب "جيل Z" إلى الشارع. ومن المصادفة أن هذا ما قلتُه في تصريح أدليتُ به، أمس، لأسبوعية "الوطن الآن" في عددها الأخير، جوابا عن سؤال بخصوص احتجاجات "جيل Z". أنقله هنا الجزء المتعلق به:
"إن الشباب الذين خرجوا للتظاهر في الشارع بعدد من المدن تلبية لنداء "جيل "Z عبر منصة ديسكورد، التي تحولت من منصة ألعاب إلى غرفة لتنظيم الاحتجاجات، لم يعيشوا في الميدان تظاهرات حركة 20 فبراير. فأصغر المنتمين لجيل Z لم يكن موجودا عند ميلاد حركة 20 فبراير، إذ ازداد بعدها بعام. وأما أكبرهم، فإن عمره عند ميلاد حركة 20 فبراير لم يكن يتجاوز 14 عاما.
وتجدر الإشارة إلى أن جيل Z لم يعش إلا تجربتين حكوميتين؛ تجربة حزب العدالة والتنمية التي دامت عشر سنوات برئاسة عبد الإله بن كيران وسعد الدين العثماني، وتجربة حزب التجمع الوطني للأحرار برئاسة عزيز أخنوش، التي أقفلت عامها الرابع. لقد فتح جيل Z عينيه ووعيه على هاتين التجربتين اللتين تغطيان عقدا ونصف، وذاكرتُه لا تحفظ إلا هاتين التجربتين، ولا يعرف من رؤساء الحكومات إلا هؤلاء الثلاثة. وينبغي أن نستحضر هذا في موقفه من السياسة ومن الأحزاب السياسة. وهو حين يُصدر حكمه على السياسة والسياسيين، فإن أبرز من استهدفهم في موقفه هم أولئك الذين عاصرهم، وعاصر السياسات التي انتهجوها، والتي فشلت في تلبية احتياجات المغاربة في مجالات التعليم والصحة والشغل والكرامة والعدالة، كما عجزت عن محاربة الفساد الذي استشرى بشكل خطير، بل جرى التطبيع معه حتى أصبح ممارسة معتادة من قِبَل المسؤولين عن تدبير الشأن العام، سواء على المستوى الوطني أو المحلي.".
وهذه رسالة إلى كل من لم يفهم رسالة "جيل Z":
اتركوا الشباب يتظاهر ويحتج بقراره، اتركوا الشباب يرفع صوته ويصدح بشعاراته، اتركوا الشباب يصوغ مطالبه بلغته وأسلوبه، اتركوا الشباب يُعَبِّر بطريقته وأدواته.