شهدت الساحة الإعلامية، عقب الظهور التلفزيوني الأخير لوزير الصحة، موجة من التدوينات والتعليقات من طرف عدد معتبر من الصحفيين والمدونين الذين نعرف عنهم اتزانهم وموضوعيتهم. أغلب تلك المواقف عبرت عن ارتياحها لأداء الوزير ونبرة خطابه التي بدت هادئة ومنضبطة، في مشهد نادر داخل مشهد التواصل السياسي الذي اعتدنا عليه في بلادنا.
لكن خلف هذا الارتياح العام يبرز سؤال جوهري لم يُطرح بما يكفي: هل كان ما تابعناه حوارا سياسيا حقيقيا أم مجرد لحظة علاقات عامة بلبوس إعلامي؟.
من يتأمل بنية البرنامج يدرك سريعا أننا أمام ندوة صحفية مغلقة أكثر منها حوارا تفاعليا مفتوحا، بُنيت على قاعدة “أنت تسأل ونحن نجيب”، دون فسحةٍ حقيقية للنقد أو المعارضة أو حتى طرح الأسئلة المزعجة التي تنتظرها الرأي العام. فالإعداد المسبق للأسئلة، واختيار الصحافيين بعناية من دوائر مألوفة داخل القناة العمومية ومن مقاولات إعلامية خاصة تعتمد أساسا على إعلانات أصحاب النفوذ المالي والاقتصادي – ومن بينهم فاعلون كبار في قطاع الصحة والدواء – جعل من اللقاء مساحة لتلميع الصورة أكثر من كونه مناسبة لمساءلة السياسات العمومية.
النتيجة كانت خطابا هادئا، مؤدبا، محسوب الكلمات، لكنه أيضاً سطحي وعام، لا يمس جوهر الأزمة البنيوية التي يعرفها قطاع الصحة بالمغرب. فاللطف لا يعوض غياب الوضوح، والهدوء لا يغني عن الجواب الحقيقي. الوزير بدا متحكما في لغته، لكنه لم يكن مقنعاً في مضامينه. استخدم لغة دبلوماسية أقرب إلى "لغة الخشب"، خصوصاً حين تعرض لموضوع غلاء الأدوية، وهو الملف الذي يعرف المغاربة أنه رهينة لوبي قوي يحتكر سوق الأدوية واستيرادها، بتواطؤ واضح مع بعض الإدارات المعنية، في مقدمتها مديرية الأدوية. لوبي يحدد هوامش ربح خيالية، يدفع ثمنها المواطن من جيبه، وتدفع الدولة كلفتها الباهظة عبر صناديق التغطية الصحية التي قد تنهار تحت وطأة هذه الاختلالات.
كان من المفترض أن تطرح هذه الأسئلة في البرنامج، لا أن تُغيب عمدا. فالإعلام، في الأصل، سلطة مضادة لا أداة دعائية. وحين يُختزل دوره في تلطيف الصورة الرسمية بدل تعرية مكامن الخلل يصبح شريكا في إنتاج الوهم بدل صناعة الوعي.
الوزير قد يكون اكتسب نقاطاً على مستوى الشكل، لكنه خسر كثيرا على مستوى الجوهر، فالمغاربة اليوم لا ينتظرون خطابات لطيفة، بل ينتظرون أجوبة دقيقة حول واقع المنظومة الصحية التي انهارت أمام أعين الجميع وعدالة مجالية مفقودة بين المدن والقرى، وشفافية مفقودة في تدبير الصفقات وفي التدبير.
إن النقد ليس خصومة، بل واجب مهني وأخلاقي، ولذلك فإن ما نحتاجه اليوم ليس وزراء مؤدبين أمام الكاميرا، بل سياسيين شجعان أمام الحقيقة، وإعلاماً حرا لا يخشى أن يسأل: من يربح ومن يخسر في معركة الصحة بالمغرب؟