محمد عزيز الوكيلي: الركوب على الموجة.. هواية الوُصوليين المفضلة!!

محمد عزيز الوكيلي: الركوب على الموجة.. هواية الوُصوليين المفضلة!! محمد عزيز الوكيلي
الساحة السياسية المغربية اصبحت، بالفعل، معملاً للتجارب غير المسبوقة أحياناً، والمنقولة عن تجارب سابقة فاشلة أحياناً أخرى، ولكنها يجمعها قاسم مشترك منفرد، وهو أنّ الفاعلين في هذه الحالة أو الحالة الأخرى يستحمِرون الناس ويَستَغْبونَهم، ربما لأنهم يعتبرون أنفسهم أذكى من مواطني هذا البلد الطيب، البسطاء الطيّبين، الذين يظل أغلبهم صامتاً رغم تَفَطُّنِه إلى البهلوانيات التي تُمارَس أمامه بكل عنترية وبجاحة!!
 
دعوني أسوق نموذجاً واقعياً ليس لذاته، وإنما لتقريب الفكرة:
 
طوال سنوات قليلة مضت، ظهرت عبر شاشات التواصل الاجتماعي واللااجتماعي آنسة أو سيدة مغربية يبدو عليها الكثير من الجرأة المتجاوِزة أحياناً حدود المعقول، والحدود المعقولة تختلف بيننا نحن المتلقّين، ولكنها في هذه الحالة تبقى مصنّفة في خانة "شديدة الجرأة"!!
 
هذه المواطنة، كانت منذ البداية تتكلم فتنتقد وتصول وتجول كما لو كانت متمتعة بغطاء فوقيّ شديد المراس، واسع النفوذ، ولذلك لم يتعرّض لها أحد بما يوقف انطلاقتها الصاخبة، رغم أنها كانت تذكر أسماء مسؤولين كِبارٍ نافذين في انتقاداتها اللاذعة، ورغم كون ذلك داخلا في نطاق التعرض للهُوِيّة أو للحياة الشخصية للمواطنين، وهذه من الجنح التي يعاقب عليها القانون المغربي في مختلف تجلياته، أقصد المدني، والجنائي، والإعلامي، لأن المساس بالأشخاص مجرّم في كل التشريعات بلا استثناء...
 
بالرغم من ذلك، كانت هذه المواطِنة، وما زالت، تضرب في المسؤولين بأسمائهم وهُوِيَّاتهم الشخصية، وتضرب أحيانا تحت الأحزمة، دون أدنى مُساءلة، ربما لأنها تعتبر ضحاياها متورطين في الفساد إلى درجة تمنعهم من متابعتها، لأنهم لو فعلوا لانفضحت ممارساتُهم أكثر، ولصاروا هم الموضوع الحقيقي للمُساءلة الإدارية والقضائية!!
 
إلى هنا والأمر رتيب ومُمِلّ مِن فرط تكراره وبقائه على نفس المنوال، إلى أن جاء وقت بدأت تلك المواطنة تطمح فيه إلى استثمار "شعبيتها التواصلية"، المرتبطة أساسا بشبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن حظيت بتوصيف "اليوتيوبر المؤثرة"، وشرعت في إبداء رغبتها في تأسيس حزب سياسي تنسبه لشخصها، إلاّ أنها لعدم توفرها على النصاب القانوني اللازم لعقد مؤتمرها التأسيسي، وربما كذلك لعدم جذبها لرأسمال نقدي يُيَسِّر لها ذلك التأسيس، عَدَلتْ مضطرَّةً عن مشروعها، وعلّقته إلى إشعار آخر... وهنا أيضا، فالأمر لم يبرح صفته كشيء عادي يمكن أن يقع لأي مواطن في أي ظرفية سياسية!!
 
ثم جاءت الاستعدادات الحزبية، التي درجت على القيام بها أحزابٌ تحولت بالكامل إلى دكاكين انتخابية، بحيث لا نسمع بها إلى مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية، ارتأت هذه المواطنة أن تنضم إلى أحد الأحزاب ربحاً للوقت، وبالموازاة مع ذلك، قبِلَ عَرضَها حزبٌ كان هو الآخر في أمس الحاجة إلى اسم جاذِبٍ للانتباه، أو بالأحرى اسم تحوم حوله الأضواء، ولو على صعيد الشبكات العنكبوتية دون غيرها، فنتج عن ذلك "زواج سياسي" بين المواطِنة المؤثِّرة النشيطة والصاخبة وذلك الحزب، وبدا المشهد سريالياً بعض الشيء، لأن كليهما كانا في أشد الحاجة إلى ما يقدمه الآخر، وجودٌ سياسيٌّ معترَفٌ به تستفيد منه المؤثرة النشيطة، ولسانٌ حامٍ وسَليطٌ يستميله الحزب المعني، بعد أن خفتت فيه كل الأصوات والألسنة ولم يعد له هو الآخر وزن إلا في شبكات التواصل ذاتها... وبذلك شهدنا بين يوم وليلة ما يمكن تسميته بتعبير المثل المغربي الساخر: "مسكين خْدَا مسكينة وتهنّات المدينة"!!
 
هذا المشهد، كما سبق القول، ليس في حقيقته سوى نموذج أسوقه هنا على سبيل الاعتبار وليس للتخصيص، لأن أشباهه كثيرة ومتواترة الحدوث يوميا بلا بهرجة ولا جلب فاضح للأنظار، وإنما الذي رُمْتُه من خلال طرحه بالذات، هو أنْ أوَضِّح أنّ ممارسة رياضة "السورف" صارت بمثابة الهِواية الأكثر تفضيلاً عند سياسيينا، بعد ان مات الحوت لأحزابهم، بالجملة، حتى سمعنا أحدهم في هذه الأيام بالذات، وبعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها بلادنا طيلة الأسبوع المنصرم، يعلن بكل بجاحة نيته في تبنّي حركة "جيلz"، رغبة منه بكل صراحة في جلب أصوات الناخبين الشباب عامةً، والمنضوين تحت لواء هذه الحركة الاحتجاجية خاصةً، "واذهب أنت وربك فاحرصا على أصالة الممارسة السياسية إنا هاهنا ساقٍطون"!!
 
والحال أن فرحة ذلك القيادي الحزبي الذي أعلن ذلك التبنّي من جانب واحد، لم تتم، لأننا بدأنا نسمع، وتحديداً في الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، عن الإعداد لتأسيس حزب جديد يحمل من الأسماء "جيل z" بالذات، لتفوح في الجو رائحة تدبير خفي لا تزال تُجهَل مصادرُه للركوب على موجة هذا "الجيل الزادي" بهذه الطريقة الفجّة، لأهداف لا شك أن الأيام المقبلة ستُعرّيها، لأنه لم يعد مُتاحاً أمام تطور تكنولوجيا الإتصال والإعلام والتواصل أن يظل أيُّ شيء قيدَ السِّرِّية والكتمان مهما قلَّ شأنه أو كَثُر!!
 
تُرى، ما الذي تُخبّئينه يا قادم الأيام، ويا رواد هِواية "السورف" السياسي؟.. ذاك هو السؤال!!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي متقاعد