العلوي: جيل Z وصوت المستقبل.. بين أزمة الثقة ومطلب العدالة والمحاسبة

العلوي: جيل Z وصوت المستقبل.. بين أزمة الثقة ومطلب العدالة والمحاسبة عائشة العلوي

جيل Z في المغرب لم يعد يكتفي بدور المتفرج على الشأن العام أو المتلقي للقرارات، بل أصبح يمتلك وعياً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يؤهله للتمييز بين الخطاب والممارسة، وبين الوعد والتنفيذ. رفع هذا الجيل وثيقة مطلبية مباشرة إلى الملك، متجاوزاً الحكومة والبرلمان والأحزاب، ليس مجرد احتجاج، بل هو إشارة واضحة إلى أزمة ثقة عميقة في المؤسسات الوسيطة، ونداء لإعادة بناء العلاقة بين المواطن(ة) والدولة على أسس أكثر شفافية وفعالية.

 

المطالب التي طرحها الشباب تتسم بطابع بنيوي ويمكن تحليلها على ثلاث مستويات. في البعد السياسي، تعكس مطالب مثل إقالة الحكومة، ومحاسبة الفاسدين، وحل الأحزاب المتورطة في الريع شعوراً بعدم جدوى المؤسسات التقليدية ورغبة في إعادة تأسيس السياسة على قاعدة الكفاءة والنزاهة. على الرغم من أن هذا المطلب السياسي يخلط أحياناً بين المسؤولية الفردية والجماعية، إلا أن تكرار المشاهد يظهر أن بعض المسؤولين يغطون عن بعضهم البعض، خاصة مع تمرير قوانين تحد من الفعل المدني والتمثيليات ومؤسسات الوساطة. بالمقارنة مع استقالة الحكومات في الستينات التي كانت الحركات الوطنية تحاول خلالها فرض وجودها لتشارك في تدبير الدولة، فإن غياب المحاسبة، وأحياناً عودة مسؤولين سياسيين إلى مناصبهم بعد تورطهم في ملفات فساد أو سوء تدبير، يعطي إشارات سلبية وينقص ثقة المواطن في السياسة والمؤسسات.

 

في البعد الاجتماعي، تركز المطالب على الكرامة والحريات الأساسية، بما في ذلك الحق في التعبير والتظاهر والإفراج عن معتقلي الرأي، وهو ما يعكس شعور الشباب بالغبن وضرورة استعادة دورهم كمحرك للتغيير. لقد كان التفاعل الإيجابي والسريع غائباً في معظم الاحتجاجات التي عرفتها البلاد، سواء بين الأساتذة أو الأطباء والممرضين وغيرهم من الفئات، الذين قوبلوا أحياناً بالعنف والتهميش واللامبالاة. كما تم تقزيم دور الحوار الاجتماعي، وتأجيل تلبية المطالب أو التحايل عليها، وما شهدته الأزمة الأخيرة في التعليم العالي إلا دليل على التهميش الممنهج للدور المؤسساتي الوسيط.

 

في البعد الاقتصادي، تأتي المطالب في سياق أزمات ملموسة تشمل البطالة المرتفعة، ضعف القدرة الشرائية، تفاوت الفرص، وغياب عدالة التوزيع، ما يجعل المطالبة بإصلاح الجهاز التنفيذي ضرورة لمعالجة الضغوط المعيشية اليومية وإعادة فتح آفاق اقتصادية عادلة. الأرقام التي تعج بها التقارير الوطنية والدولية تؤكد أن البنية الاقتصادية لا تزال تواجه تحديات رغم الجهود الكبيرة في البنية التحتية. وهذا يتطلب أن تكون هذه الجهود مترابطة ومتكاملة، فبلدنا يحتاج إلى تطوير جميع القطاعات، بدءاً بالرياضة مروراً بالثقافة والحرف التقليدية وصولاً إلى الصناعة بمختلف فروعها. الرياضة، على سبيل المثال، ليست نشاطاً ترفيهياً فقط، بل قادرة على تنشيط مجموعة من القطاعات بشكل مباشر وغير مباشر. الاقتصاد علاقة مركبة ومتداخلة، ويجب أن يكون مرتكزاً على الإنسان والمحاسبة والمراقبة، وهو ما يجب أن تقوم به المؤسسات الحكومية لضمان التوازن بين الإنسان والبيئة والنمو الاقتصادي.

 

لحل هذه الأزمة على المدى القصير، يمكن اعتماد إجراءات مرحلية تشمل إعادة هيكلة الحكومة لتضم كفاءات مستقلة ونزيهة، وفتح منصات حوار مستمرة بين الشباب وصانعي القرار على الصعيد الوطني والجهوي، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمحتجين السلميين، إلى جانب تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة في مؤسسات الدولة وضمان استقلالية القضاء في الممارسة. أما على المدى الطويل، فتحتاج الدولة إلى إصلاح النموذج التنموي ليصبح أكثر عدالة مجالية واجتماعية، من خلال دعم الاقتصاد المحلي والمقاولة الصغرى، وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الخضراء والرقمية، وتعزيز البنية الاجتماعية الأساسية كالتحصيل التعليمي، والصحة، وخدمات الإنترنت، وغيرها. كما يتطلب الأمر إعادة بناء الشرعية السياسية عبر تجديد النخب، وتحديد سقوف للولايات الانتخابية، وتمويل الأحزاب بناءً على الأداء والشفافية، وإدماج الشباب في المجالس المنتخبة وغيرها. لكل فاعل دور في بناء الدولة وضمان الاستقرار والأمن.

 

إلى جانب ذلك، يجب الانتقال من ثقافة التسيير العمودي إلى ثقافة المشاركة الأفقية، التي تتيح للمواطن(ة) المشاركة الفعلية في القرار والرقابة والتقييم، بما يعزز الشفافية والمساءلة. كما ينبغي تحصين الحريات والحقوق، ومراجعة القوانين المقيدة للتعبير والتظاهر لتصبح أكثر توافقاً مع الدستور وروح العصر. إن وثيقة جيل Z ليست تحدياً للسلطة بقدر ما هي دعوة وطنية لإنقاذ المستقبل وإعادة بناء عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمجتمع، يستعيد فيه المواطن(ة) ثقته ويشارك بفاعلية في صنع القرارات، ويُعاد فيه توزيع السلطة والثروة والمسؤولية بشكل عادل ومستدام، وإلا فإن تجاهل هذه المطالب سيزيد من الفجوة بين الأجيال ويهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المغرب.

 

عائشة العلوي، أستاذة جامعية، خبيرة في الاقتصاد