جمور عبد الحميد: جيل زد في المغرب.. موجة احتجاج أم إشارات رقمية عابرة؟

جمور عبد الحميد: جيل زد في المغرب.. موجة احتجاج أم إشارات رقمية عابرة؟ جمور عبد الحميد

بين الاحتجاج الرقمي والحركة الاجتماعية

اول ما يمكن لنا التساؤل عنه هل ما يعرف اليوم بـ"جيل زد" حركة فعلية؟ أم أنها مجرد موجة احتجاجية رقمية تتقاذفها منصات التواصل، بلا قيادة واضحة أو أهداف محددة؟ هذا السؤال أصبح ضروريا لفهم الواقع الذي يعيشه المغرب، بعيدا عن التأويلات المتسرعة أو التضخيم الإعلامي، وفق علماء الاجتماع السياسي، تعرف الحركة كــ"تجمع منظم لأفراد أو جماعات يتبنون أهدافا مشتركة ويسعون لتغيير واقع اجتماعي أو سياسي محدد عبر آليات واضحة ومستدامة" وبالتالي فالحركة السياسية تهدف للتأثير المباشر في السلطة، بينما تسعى الحركة الاجتماعية لتغيير السلوكيات والثقافة دون مواجهة مباشرة للهيئات الرسمية ، بمقارنة هذه المعايير مع ما يعرف اليوم بجيل زد، يظهر غياب التنظيم، القيادة، والجدول الزمني المستمر، حتى أن المطالب غير موحدة وتختلف بين مدينة وأخرى، ما يجعل الظاهرة أقرب إلى احتجاجات متفرقة أو إشارات رقمية مؤقتة، وليست حركة اجتماعية متماسكة، وبتعبير آخر ما يراه البعض "حركة" هو في الواقع موجة عابرة، تستغل رقميا بلا إطار واضح.

الإعلام بين النقل والتضخيم

الإعلام لم يعد مجرد ناقل للأخبار، بل أصبح لاعبا رئيسيا في تشكيل الرأي العام وصياغة الصورة الذهنية للوقائع. قناة فرانس 24 تمثل نموذجا حيا لهذا التحول؛ إذ ركزت على الاحتجاجات المغربية بتغطية مكثفة ومركزة، أحيانا تتجاوز مجرد النقل الموضوعي إلى التضخيم والتأطير الموجه.

كما يلاحظ مشاركة التغطية صحفيون من أصول مغاربية مثل سيرين العماري (تونسية)، وربيع أوسبراهيم (تونسي)، وسليمان زغيدور (جزائري)، ونبيلة رمضاني (جزائرية) وغيرهم بالإضافة إلى كتاب رأي وصحفيين آخرين يجتمع فيهم الانتماء الجزائري أو التونسي. حضور هذه الأصول وملامسة الأحداث عبر هذا المنظور تضفي أبعادا تأويلية على المحتوى، حيث تحول التركيز المكثف على الاحتجاجات إلى سرد يميل إلى إبراز النزاعات، والمبالغة في حجم المطالب، وإعطاء وقع أكبر للتفاعلات الرقمية العابرة على الساحة المغربية.

هذا ينسجم مع ما تشير إليه "نظرية ترتيب الأولويات" في الإعلام التي توضح كيف يمكن للتغطية المكثفة لأحداث معينة أن تتحول إلى أداة ضغط نفسي واجتماعي على الجمهور، سواء محليا أو دوليا، فالجمهور، حين يواجه تكرارا مستمرا لرسائل مشابهة، يبدأ بتكوين تصورات مبالغ فيها عن حجم الظاهرة وأهميتها، ما يؤدي إلى تأثيرات سلوكية ونفسية غير متناسبة مع الواقع الفعلي.

ما كان ينبغي أن يكون نقًا حياديا وموضوعيا للأحداث، أصبح أداة للتأثير والتلاعب بالرأي العام، مع ما يترتب على ذلك من إرباك للوعي الجماعي، في هذا السياق، يصبح تطوير وعي نقدي لدى الجمهور ضرورة ملحة؛ ليس فقط لفهم حجم الظاهرة الحقيقي، بل أيضا للتمييز بين ما هو مطالب حقيقية لمجتمع مغربي متماسك متحد، وما هو رسائل مضللة تهدف إلى خلق التوتر والفوضى، أحيانا تحت غطاء التحليل الإعلامي المهني.

وعي نقدي ومشاركة مؤسساتية

الحل لا يكمن في الاحتجاجات الرقمية العابرة، بل في وعي نقدي قادر على التمييز بين المطالب الحقيقية والدعاية المضللة، فالدراسات تظهر أن المشاركة عبر المؤسسات الرسمية هي القناة الأكثر فاعلية لتحقيق مطالب المجتمع بشكل مستدام، مقارنة بالاحتجاجات غير المنظمة، هذا الوعي يتطلب التحقق من مصادر المعلومات، وتمييز الأخبار الموثوقة عن المحتوى المضلل، وعدم الانسياق وراء دعوات مجهولة الهدف. الحوار المؤسساتي ليس خيارا، بل ضرورة استراتيجية للحفاظ على الأمن والاستقرار الوطني، وتحويل أي مطلب اجتماعي أو سياسي إلى تأثير إيجابي وفاعل.

باختصار، ما يعرف بـ"جيل زد" ليس أكثر من موجة احتجاجية متفرقة، مضخمة إعلاميا، ومستغلة رقميا، التأثير الحقيقي لا يأتي من ردود أفعال عابرة على منصات التواصل، بل من المشاركة الواعية المبنية على الوعي النقدي، الحوار المؤسسي، والتمسك بالخطاب التاريخي والاجتماعي الذي يعكس وحدة وانتماء الشعب المغربي. هذا النهج لا يحمي المجتمع من الفوضى فحسب، بل يحول المطالب الاجتماعية والسياسية إلى أدوات تغيير ملموسة، قائمة على أساس متين من الوعي والمعرفة.

 

جمور عبد الحميد

باحث متخصص في الديناميات السكانية والتنمية جنوب جنوب