ما جرى بجماعة أيت سدرات السهل الغربية خلال الساعات الأخيرة ليس مجرد "خطأ تواصلي" أو "سوء تقدير"، بل هو فضيحة سياسية مكتملة الأركان. رئيس الجماعة نشر على صفحته الرسمية بيان استقالة جماعية للمجلس، بل قدّمها وكأنها قرار مسؤول وشجاع لحفظ ماء الوجه أمام فشل التنمية وتجاهل الجهات الوصية. ثم، وبعد أن تسابق الإعلام المحلي والوطني إلى نشر الخبر باعتباره صادراً من مصدر رسمي، تفاجأ الجميع بحذف البيان، وصدور بلاغ ثانٍ عن أعضاء المجلس ينفي الخبر جملة وتفصيلاً ويعتبره مجرد إشاعة زائفة!
هذا العبث يطرح أسئلة ثقيلة لا يمكن القفز عليها:
من نشر البيان الأول؟ أليس هو الرئيس، الذي يُفترض أنه الناطق الرسمي باسم المجلس ورمز الثقة أمام الساكنة؟
إذا كان الخبر مجرد إشاعة، فمن المسؤول عن إطلاقها غير الرئيس نفسه؟
كيف يعقل أن يتم استغلال بيانات رسمية على صفحة مؤسسة منتخبة لنشر "إشاعات" ثم يُطلب من المواطنين أن لا يصدقوها؟
البيان التوضيحي الأخير لم ينجح في تبديد الغموض، بل عمّق الأزمة وأظهر حجم الارتجال والانفصال بين الرئيس وأعضاء المجلس. فإما أن الرئيس تصرف منفرداً دون علمهم، أو أنهم تراجعوا تحت الضغط بعد أن تبيّن لهم حجم الفضيحة. وفي كلتا الحالتين نحن أمام مجلس بلا بوصلة سياسية، يفتقد لأدنى مقومات النضج والمسؤولية.
ولاية صفرية بامتياز
لنكن صرحاء: هذه الولاية الجماعية كانت منذ بدايتها "ولاية صفرية". لا إنجازات، لا حصيلة، لا أثر ملموس على حياة المواطنين. وبدل أن ينشغل المجلس بإيجاد حلول واقعية لمشاكل الساكنة، ينشغل رئيسه وأعضاؤه ببيانات عبثية تنشر وتحذف بعد ساعة او ساعتين، في مشهد لا يليق حتى بمستوى "صفحات فايسبوك مجهولة"، فبالأحرى بمؤسسة منتخبة تمثل المواطنين.
إن التذرع بـ"الإشاعات" و"الأخبار الزائفة" لا يقنع أحداً. فالإشاعة في هذه الحالة خرجت من "المطبخ الداخلي للمجلس" وبإمضاء الرئيس نفسه. ومن ثم، فإن الحديث عن محاسبة "مروجي الإشاعات" هو قلب للحقائق، ومحاولة للهروب من تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والقانونية. فمن يجب أن يحاسب أولاً؟ من نشر البيان على صفحته الرسمية، أم المواقع التي نقلت الخبر استناداً إلى مصدر رسمي؟
استهزاء بالساكنة والإعلام والجهات المختصة
إن أخطر ما في هذه القضية هو الاستهزاء الممنهج بالساكنة، التي تنتظر حلولا لمشاكلها لا بيانات متناقضة تزرع البلبلة. وهو أيضاً استهزاء بالجهات الوصية، التي يفترض أنها تتعامل مع شركاء محليين مسؤولين لا مع هواة تجريب وابتزاز. كما أنه استهزاء بالإعلام، الذي سارع إلى نقل البيان الأول باعتباره خبراً مؤكداً، ليتضح لاحقاً أنه وقع ضحية عبث سياسي يفتقد لأي مهنية أو اتزان.
هناك عدة سيناريوهات تفسر ما وقع:
- رسالة ضغط: ربما حاول الرئيس استعمال ورقة الاستقالة الجماعية للضغط على السلطات الوصية من أجل مكاسب أو تمويلات، قبل أن يتراجع تحت الضغط أو التهديد بفقدان موقعه.
- صراع داخلي: قد يكون الخلاف بين الرئيس وأعضاء المجلس بلغ حداً جعله ينشر بياناً باسمهم دون توافق، ليتنصلوا لاحقاً من العملية ببلاغ النفي.
- فوضى وارتجال: وهو الاحتمال الأقرب، حيث يكشف الحادث عن غياب التخطيط، وانعدام المسؤولية، وتفشي العبث السياسي داخل مؤسسة يفترض أن تكون قدوة في الانضباط والتواصل.
الخلاصة: أزمة ثقة خطيرة
النتيجة المباشرة لهذا السلوك هي انهيار الثقة بين الساكنة ومجلسها المنتخب. فإذا كان الرئيس نفسه يوزع "الأخبار الزائفة" على صفحته، فكيف يمكن للمواطن أن يثق بعد اليوم في أي بلاغ أو أي معطى رسمي يصدر عن المجلس؟ وكيف يمكن للجهات المختصة أن تتعامل بجدية مع مؤسسة تدير شؤونها بهذا المستوى من الفوضى والارتجال؟
إن ما جرى ليس حادثا عابراً، بل هو مرآة لولاية جماعية صفرية، وفشل في القيادة والتدبير، وفضيحة سياسية تسيء إلى صورة المؤسسات المنتخبة وتكرّس اليأس من إمكانية التغيير عبر ظصناديق الاقتراع. وما لم يتم فتح تحقيق جاد يحدد المسؤوليات ويحاسب من استهزأ بالساكنة، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة من العبث والاستهتار بالديمقراطية المحلية.
الحسين طالبي/ مدون