نادية عسوي: لدي تجربة 40 سنة في مجال الصحة وهذه مقترحاتي لإصلاح المنظومة

نادية عسوي: لدي تجربة 40 سنة في مجال الصحة وهذه مقترحاتي لإصلاح المنظومة نادية عسوي
بحكم أنني قضيت 40 سنة في مجال الصحة، أقترح هذه المساهمة كجزء من الخطة الوطنية لإصلاح المنظومة الصحية بالمغرب.    

يعاني قطاع الصحة بالمغرب منذ عقود من تراكمات بنيوية عميقة: خصاص في الموارد البشرية، ضعف التجهيزات، اختلال في العدالة المجالية، إضافة إلى مشاكل الحكامة وسوء التدبير. ورغم المبادرات الإصلاحية السابقة، لم يلمس المواطن بعد التحول الموعود.  

تقدم هذه الوثيقة مقترحات عملية ومتكاملة ترتكز على ثلاث ركائز أساسية: الانتماء – التحفيز – المحاسبة، مع إضافة محاور بنيوية تضمن استدامة الإصلاح وتحقيق الأثر الملموس.  

1. الحكامة والموارد البشرية
- إلغاء نظام المناولة: جميع العاملين في المستشفيات (حراس أمن، منظفون، إداريون) يجب أن يكونوا موظفين رسميين تابعين للوزارة، لضمان حس الانتماء للقطاع، وكذلك خفض تكاليف الخدمات التي ترتفع عبر الوساطة.  
- رفع أجور الأطباء والممرضين لتوازي القطاع الخاص، بهدف الحد من هجرتهم وتحفيزهم على الاستقرار في الوظيفة العمومية.  

2- تحسين الاستقبال والخدمات الأساسية 
- إعادة هيكلة وحدات الاستقبال والمستعجلات وتدعيمها بالموارد البشرية الكافية لتقليص زمن الانتظار.  
- تعزيز أقسام الولادة بأطر كافية، تفاديًا لحالات الضغط التي تضع مولدة واحدة أمام عشرات الحالات يوميًا.  
- اعتماد بروتوكولات استقبال إنسانية تُعيد الثقة بين المريض والمستشفى.  
 
3. البنية التحتية والتجهيزات  
- تجهيز المستشفيات بأجهزة حيوية (سكانير، مختبرات، أجهزة تصوير بالأشعة…) مع تخصيص أطر مؤهلة لتشغيلها وصيانتها.  
- اعتماد نظام صيانة دورية للتجهيزات الطبية لتفادي الأعطاب التي تعطل الخدمات.  
4. النظافة وجودة الخدمات  
- جعل النظافة مسؤولية موظفين عموميين دائمين بدل شركات المناولة.  
- إدماج تكوين مستمر لفرق النظافة حول الوقاية من العدوى والتدبير الصحي للنفايات الطبية.  
 
5. التكوين والتأهيل المستمر  
- إنشاء معاهد جهوية لتكوين الممرضين والأطباء والمساعدين بما يتلاءم مع احتياجات كل جهة.  
- فرض برامج تكوين مستمر للأطر الطبية والتمريضية لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي.  
 
6. الرقمنة والحكامة الذكية  
- اعتماد ملف طبي رقمي موحد لكل مريض، يتيح المتابعة في أي مستشفى بالمغرب.  
- رقمنة المواعيد والخدمات لتقليص الاكتظاظ ومحاربة الوساطة.
  
7. التمويل والاستدامة  
- رفع ميزانية الصحة لتواكب المعايير الدولية.  
- إحداث صندوق وطني لدعم المستشفيات يمول من الضرائب المفروضة على التبغ والكحول والمواد المضرة بالصحة. 
 
8. العدالة المجالية  
- إحداث مراكز استشفائية جامعية جهوية لتقريب الخدمات من المناطق القروية والنائية.  
- تحفيز الأطباء والممرضين على العمل بالمناطق البعيدة عبر توفير سكن وظيفي وتعويضات خاصة.  
 
9. المفتشية والمحاسبة  
- إحداث مفتشيات جهوية داخل المستشفيات الكبرى مرتبطة مباشرة بالمفتشية العامة للوزارة.  
- تمكينها من المراقبة المفاجئة والدورية لسير العمل وجودة الخدمات واستعمال الموارد.  
- تفعيل العقوبات وفق القوانين ضد كل من يخل بواجبه (من التنبيه إلى العزل).  
- إرساء آليات تحفيزية (ترقيات، منح، شهادات تقدير) للأطر الملتزمة.  
 
10. التدوير وتجديد الدماء  
- عند تعيين مدير جديد، يتم تغيير أو تدوير المسؤولين الذين تجاوزوا أربع سنوات في مناصبهم.  
- اعتماد مبدأ التدوير: لا يبقى أي طبيب أو ممرض أكثر من أربع سنوات في نفس المصلحة، مع إمكانية الانتقال داخليًا داخل المستشفى.  
- الهدف: منع الروتين، تجديد الدماء، كسر شبكات النفوذ، وتطوير خبرات متنوعة للأطر.  
 
11. فصل واضح بين الطب والإدارة  
- الأطباء والممرضون يجب أن يعودوا لممارسة مهنتهم الأصلية في المستشفيات والمراكز الصحية. مكانهم الطبيعي هو الأقسام الطبية والعلاجية حيث يعاني المواطن خصاصًا مهولًا.  
- المسؤوليات الإدارية (مدير مستشفى، مدير مالي، مدير موارد بشرية…) تُسند إلى أطر متخصصة في الإدارة (خريجو كليات الحقوق، معاهد الإدارة، المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، ISCAE…).  
- خلق مسار مهني إداري موازٍ داخل وزارة الصحة، لضمان احترافية في التدبير الإداري وتفريغ الأطباء والممرضين لمهامهم الأصلية.  

خاتمة  
هذه الخطة تقدم تصورًا واقعيًا وشاملاً لإصلاح المنظومة الصحية، قائمًا على إعادة الاعتبار للموارد البشرية، تحسين جودة الاستقبال والخدمات، تجهيز المستشفيات، تحقيق العدالة المجالية، وربط المسؤولية بالمحاسبة.  
إنها دعوة لإرادة سياسية صادقة تجعل من الصحة حقًا فعليًا للمواطن لا مجرد شعار، وتحوّل المستشفى العمومي إلى بيت للشفاء والكرامة.