محمد براو:محاضر مخالفات في سلال مهملات رؤساء الجماعات.. حكم قانون محجوز وفساد سياسي موصوف

محمد براو:محاضر مخالفات في سلال مهملات رؤساء الجماعات.. حكم قانون محجوز وفساد سياسي موصوف محمد براو

على بعد أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية لسنة 2026، تتكرس في جهة الدار البيضاء - سطات وربما في جهات أخرى، فضيحة صامتة: عشرات، بل مئات من المحاضر التي حرّرتها الشرطة الإدارية يتم ببساطة تركها جانبا، تجاهلها، أو ما هو أسوأ، دفنها عمدًا في أدراج رؤساء الجماعات. إنها فوضى إدارية حقيقية، يرافقها تصحر مؤسساتي يعكس بوضوح وضع ديمقراطيتنا المحلية.

 

عندما يصبح تطبيق القانون خيارًا سياسيًا

دقّ المجلس الجهوي للحسابات، الدار البيضاء – سطات، ناقوس الخطر: في العديد من الجماعات والمقاطعات، يتم تحرير محاضر صارمة بشأن مخالفات في التعمير، النظافة، أو الاحتلال غير القانوني للملك العمومي... لكنها لا تؤدي إلى أي عقوبة. لا إنذارات، لا إغلاقات، لا متابعة. مجرد أوراق تُهمل عمدًا.

هذا ليس خللًا تقنيًا. بل هو فعل متعمّد من التقاعس. رؤساء المجالس المحلية – الذين يُفترض بهم قانونًا أن يتصرفوا – يختارون عدم تطبيق القانون. لماذا؟ لأن المعاقبة تعني خلق أعداء. ومع اقتراب انتخابات 2026، من الأفضل الحفاظ على الشبكات الانتخابية بدلاً من حماية المصلحة العامة.

 

كلفة الزبونية: إنهاك المالية المحلية وتقويض الثقة العامة

لم يعد الأمر سرًا: الإفلات من العقاب له طابع انتخابي. تقارير متعددة تشير إلى واقع مقلق: مسؤولون محليون يستغلون سلطتهم لحماية بعض المخالفين، بل ويستخدمون الشرطة الإدارية بشكل انتهازي خطير كأداة ضغط سياسي ضد خصومهم.

هذه الزبونية المتفشية تحوّل الإدارة الجماعية إلى ساحة مناورة انتخابية. بعيدًا عن مبادئ الحكامة الجيدة — كالشفافية، والمساءلة وحكم القانون  — نشهد إدارة انتهازية، تُطبّق فيها القوانين حسب الهوى، وحسب المصلحة.

هذا الامتناع عن الفعل ليس بلا ثمن. بتجاهل المخالفات، تتنازل الجماعات عن غرامات، عن مداخيل قانونية، عن تسويات مالية. والنتيجة: ميزانيات ضعيفة، خدمات عمومية متدهورة... وثقة متآكلة من المواطنين في مؤسساتهم المحلية.

بل الأسوأ من ذلك، أن إهمال مسائل كالنظافة أو التعمير يهدد جودة حياة السكان، خصوصًا في الأحياء الشعبية، التي تعاني أصلًا من التهميش ونقص التجهيزات.

 

جهات مساءلة متعددة… ومسؤوليات شبه ضائعة

خلاصات المجلس الجهوي للحسابات واضحة. وزارة الداخلية ردّت بتوجيه تنبيهات وإنذارات للولاة، والعمال، والولاة، ورؤساء الجماعات. لكن التنبيه لم يعد كافيًا. يجب التحرك.

ما يزيد الوضع تعقيدًا هو العلاقة الملتبسة بين المساءلة الإدارية، والمساءلة السياسية، والمساءلة القضائية. فبين تقارير المحاكم المالية، وتدخلات وزارة الداخلية، وأدوار المحاكم الإدارية، يتم تعويم المسؤولية الحقيقية، بشكل يُقلل من مفعول الرقابة بدل أن يُفعّلها.

فعلى الرغم من أن المجالس الجهوية للحسابات تُصدر ملاحظات دقيقة، وتُشير إلى خروقات واضحة، إلا أن تحويل هذه التقارير إلى إجراءات تأديبية إدارية أو ملاحقات قضائية يبقى محدودًا، إما بسبب ضعف الإرادة السياسية، أو غياب التنسيق المنهجي بين الجهات المعنية.

المساءلة الإدارية، رغم كونها أولى درجات المحاسبة، غالبًا ما تظل محدودة ورمزية، بينما المساءلة السياسية تغيب تمامًا في ظل غياب ثقافة الاستقالة أو تحمل المسؤولية. أما المساءلة القضائية، فهي رهينة إحالات مؤسساتية حصرية، وإثباتات رسمية دقيقة، ما يجعلها أداة بطيئة وأحيانًا غير فعّالة.

لذلك، بات من الضروري إعادة التفكير في منظومة المساءلة ككل، وربطها بآليات واضحة للتنفيذ، وبتوسيع هامش الإحالة والتبليغ، حتى لا تتحول مؤسسات الرقابة الرسمية إلى مجرد مؤسسات للتشخيص بلا أثر حقيقي ملموس.

 

انتخابات 2026 : تقدم أم تراجع ديمقراطي؟

مع اقتراب سنة 2026، يجب أن يثير هذا الانحراف قلقنا. لأنه إن كنا نقبل اليوم بأن يجمّد بعض المنتخبين تطبيق القانون من أجل حماية قواعدهم الانتخابية، فما مصير شرعية النتائج غدًا؟

الديمقراطية المحلية لا تُبنى على التساهل مع اللاشرعية. نحن بحاجة إلى رؤساء جماعات شجعان، قادرين على تحمل مسؤولياتهم، حتى عندما تكون غير شعبية. نحتاج إلى مواطنين واعين ويقظين، يطالبون بالمحاسبة. ونحتاج إلى دولة قانون، لا دولة مجاملة بحجة التدبير السياسي العقلاني.

 

ختاما: لا يجب أن تتحول سلال مهملات رؤساء الجماعات إلى مقبرة للديمقراطية

المحاضر المُتجاهلة في الدار البيضاء - سطات ليست مجرد حالات فردية. بل هي عرض لمرض أعمق: حكامة محلية معطوبة، ونظام يتساهل أويتعايش مع ظاهرة الإفلات من العقاب، وحكم قانون محجوز يُضحي بالمصلحة العامة على مذبح الطموحات الانتخابية.

أمام هذا الوضع، يجب على المجتمع المحلي المغربي أن ينهض، لا فقط من أجل التصويت في 2026، بل للمطالبة بحكامة مسؤولة بدءًا من اليوم. فالديمقراطية تبدأ من هنا والآن: من القرار بتطبيق القانون، حتى عندما يُزعج الموالين الحاليين والمحتملين أو لا يخدم المصلحة السياسية الظرفية.