جمال المحافظ : أخلاقيات الصحافة والممارسات الفضلى 

جمال المحافظ : أخلاقيات الصحافة والممارسات الفضلى  جمال المحافظ
في مذكرته حول مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، المعروض حاليا على مجلس المستشارين بعدما صادق عليه مؤخرا مجلس النواب، يرى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالخصوص أن المشروع ينبغي أن يكـون منسـجما مــع الالتزامات الدوليــة للمملكــة المغربيــة المتعلقــة بالعهــد الدولــي للحقــوق المدنيــة والسياسـية، وخاصـة المـادة 19 منـه، ومـع مقتضيـات الدسـتور، لاسـيما الفصـل 28  الـذي يكفـل حريـة الصحافــة ويحظــر تقييدهــا بــأي شــكل مــن أشــكال الرقابــة القبليــة، وينــص علــى حــق الجميـع فـي التعبيـر ونشـر الاخبـار والأفـكار والآراء بـكل حريـة، ومـن غيـر قيـد عـدا مـا ينـص عليـه القانــون صراحــة. 
 
وعلى الرغم من كون المجلس، كتب في مذكرته أنه قام كذلك في اطار اعداد رأيه حول  المشروع باســتقراء الممارســات الفضلــى التــي تبلــورت فــي مختلــف التجــارب الدوليــة ذات الصلــة بالتنظيــم الذاتــي بالنسـبة لمهـن الصحافـة والنشر، إلا أن ما يسجل على مذكرته إغفال تجارب وطنية محلية، للتنظيم الذاتي، والتي كانت محل اشادة من لدن مختلف الهيئات المدنية الوطنية، وكذلك من منظمات دولية مختصة في الصحافة والاعلام في مقدمتها الفيدرالية الدولية للصحفيين) FIJ) التي اعتبرت " الهيئة المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير"، خلال ملتقاها الدولي الذي احتضنته سنة 2009 مدينة بالي في إندونيسيا  تجربة رائدة نوعية في مجال التنظيم الذاتي للصحافة. 
 
 فأخلاقيات المهنة لم تبدأ مع قيام المجلس الوطني للصحافة سنة 2018، الذي جاء عقب " اتفاقات 2016 "، خلال تجربة ما كان يطلق عليها ب" الحكومة الملتحية" ( اتفاقات أدت إلى ميلاد المجلس الوطني للصحافة، والصيغة الحالية لقانون الصحافة والنشر والنظام الأساسي للصحفيين المهنيين)، بل يعود الفضل في اثارتها والانشغال بها للنقابة الوطنية للصحافة المغربية منذ أن تولى محمد العربي المساري ( 1936 – 2015 ) الكتابة العامة للنقابة في 1993 سنة المناظرة الوطنية الأولى للإعلام والاتصال. 
 
أخلاقيات وحرية 
 
ف" الهيئة المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير التي تأسست في 19 من يوليوز 2002 بالرباط، كتنظيم مدني، شكل تقدما مهما نحو معالجة مسألة أخلاقيات الصحافة بطريقة أكثر نجاعة، وباستقلالية، كان من بين أهدافها العمل على إشاعة أكبر لأخلاقيات وآداب مهنة الصحافة وتكريس حرية التعبير والرأي، لإن حرية الصحافة وحماية حرية التعبير والحفاظ على شرف المهنة والدفاع عن حق الجمهور في الإعلام النزيه، وحماية الصحافيين أثناء مزاولة المهنة، تعد ركائز جوهرية، يتعين أن يؤمن بها الصحافيون (ات) ويتمسكون بتطبيقها، فضلا عن المساهمة في تطوير وتجويد الأداء الإعلامي وتوجيهه لصالح الجمهور المتلقي، وضمان حق المواطن في الخبر الصادق النزيه، واحترام الكرامة الإنسانية. 
 
وشكل تأسيس هذه الهيئة، آنذاك مرحلة متطورة في مجال أخلاقيات المهنة على المستوى الوطني، واعتبرته غالبية الفعاليات المهنية، بأنه تقدما نحو معالجة هذه المسألة باستقلالية وبطريقة أكثر نجاعة، تستلهم تجارب الدول الديمقراطية، وتتوجه نحو معالجة قضايا الصحافيين، انطلاقا من تعهدات والتزامات يعملون بأنفسهم على وضعها واحترامها في نفس الوقت، ودون إتاحة الفرصة لأطراف خارج المهنة، لإيجاد تبريرات وتوجهات تتناقض مع مبادئ حرية التعبير.  
 
فتشكيل هذه الهيئة لم يكن يسيرا، بل تطلب جهدا ووقتا طويلين ونقاشا عميقا ومسؤولا، بناء على طموح الصحافيين المهنيين لتأسيس إطار مستقل، يختاره الصحفيون بطواعية واستقلالية، على أساس أن تمثل فيه الهيئات الحقوقية الأكثر حضورا ومصداقية لدى الرأي العام، باعتبار أن معالجة قضايا أخلاقيات الصحافة، مسؤولية مشتركة. 
 
حماية وجزاء 
 
وتتمثل الوظيفة الأساسية للهيئة – كما حدده في ميثاقها- في رصد الاختلالات المهنية، وتقويم الأداء الصحافي، والتصدي التلقائي في نفس الوقت للانتهاكات التي تطال كلا من حرية الصحافة والتعبير. وتتوفر الهيئة على دورين رئيسيين: حمائي وجزائي، الأول يتمثل في حماية وتمنيع وتحصين الأداء المهني، فيما يتعلق الثاني (الجزائي)، برد الاعتبار للمستهدفين بكل تصرف مخل بأخلاقيات وآداب المهنة.  
 
وبناء على ذلك، يتعهد الصحافيون، بمزاولة مهنتهم بكامل الدقة والموضوعية، مع الالتزام بحق الجمهور في الاطلاع على مختلف الأحداث والحقائق والآراء، لكن بالمقابل ضمان حق الصحافة والصحافيين في الوصول الى مصادر الأخبار والحق في الحصول على المعلومات ومعالجتها بحرية، وتداولها وبثها بدون إكراه وعراقيل. 
 
لقد استندت الهيئة الوطنية المستقلة، في عملها على ميثاق للأخلاقيات الذى يؤكد في ديباجته على أنه يستمد مقوماته من المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، ومن بنود الدستور الذي ينص على حرية التعبير والرأي، ومن خلاله تجدد الصحافة المغربية، إرادتها الراسخة والتزامها بمواصلة العمل من أجل تعزيز حرية الرأي والتعبير، وإقرار حق المواطن في إعلام تعددي حر ونزيه، قائم على قواعد احترافية عصرية، كشروط لبناء حياة ديمقراطية مستقرة. 
 
فحسب النظام الأساسي للهيئة وميثاقها، فإنها ليست بديلا عن القضاء، كما أن القضاء لا يلغي ولا يحد من صلاحياتها، وذلك بوصفها إطارا مستقلا بذاته، فهي بذلك غير تابعة لأية جهة سياسية أو حزبية، ولا لأية وصاية حكومية أو طرف من أي جهة كانت. 
 
تمثيلة واسعة 
 
الهيئة الوطنية المستقلة لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير، كانت تتألف من 23 عضوا منهم شخصيات مستقلة وممثلون عن هيئات نقابية صحافية ومنظمات حقوقية وثقافية والمجتمع المدني. وتكتسى آراء الهيئة قيمة اعتبارية، ورمزية الهيئات وأعضائها، يمنح  قرارتها كثيرا من المصداقية داخل المجتمع بكافة أطيافه ومستوياته. 
 
وحتى لا ننسى، تجدر الإشارة إلى أن الهيئة كانت تضم ثلاث شخصيات مستقلة هي محمد مشيشي العلمي الإدريسي أستاذ جامعي ووزير عدل سابق رئيسا وزكية داوود صحافية مديرة مجلة “لاماليف” و المرحوم الخضير الريسوني، كاتب صحافي واذاعي. وضمت عن الصحافيات والصحافيين، فاطمة بوترخة (وكالة المغرب العربي للأنباء) ومصطفى الزنايدي (جريدة السياسة الجديدة) والطيب العلمي (الإذاعة الوطنية) والمرحوم عبد الله العمراني (التلفزة المغربية) والراحلة فاطمة الوكيلي (القناة الثانية) وشفيق اللعبي (أسبوعية لافي إيكونوميك) وعبد الناصر بنو هاشم (القناة الثانية) وجمال المحافظ (وكالة المغرب العربي للأنباء) مقررا عاما للهيئة. 
 
أما عن فيدرالية الناشرين فكانت ممثلة في الهيئة، آنذاك بكل من عبد المنعم دلمي المدير العام لجريدتي “الصباح” و” ليكونوميست” رئيس الفيدرالية، ومحمد الإدريسي القيطوني: مدير جريدة (لوببينيون) ومحمد البريني مدير جريدة (الأحداث المغربية) ومحمد السلهامي مدير أسبوعية (ماروك إيبدو) وفاطمة الزهراء الورياغلي مديرة أسبوعية “فينانس نيوز”. 
 
وعن الهيئات والمنظمات الحقوقية - ضمت كلا من عبد الرحيم بن بركة نقيب هيئة المحامين بالرباط ممثلا عن جمعية هيئات المحامين بالمغرب وعبد الرحمن بنعمرو النقيب سابق محام بهيئة الرباط، عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وعبد الصمد المرابط المحامي بهيئة الرباط، عن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والراحل عبد الله الولادي المحامي بهيئة الدار البيضاء، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وأحمد أبادرين المحامي بهيئة مراكش، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان، في حين مثل هيئات المجتمع المدني  بالهيئة كلا من الأستاذ الجامعي رشيد الفيلالي المكناسي عن الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبرنسي المغرب) ونجيب خداري صحفي وشاعر عن اتحاد كتاب المغرب. 
 
تعددية وشفافية 
 
وإذا كانت حرية التعبير والاستقلالية، والتعددية والتمثيلية والشفافية، تشكل المبـادئ الأساسـية التي يتعين بصفة عامة أن تترجمها  هيئات التنظيـم الذاتـي لمهنـة الصحافـة، فإن أحد عوامل تعثر عمل الهيئة وعدم تمكنها في لحظات كثيرة من عقد اجتماعاتها لعدم توفر النصاب القانوني - الذى عزته اللجنة في أحد تقاريرها -  إلى ما لوحظ من غياب مستمر لغالبية ممثلي فيدرالية الناشرين، وكذلك عدم توفرها على دعم لوجستيكى ومعنوي للقيام بعملها التطوعي على الوجه المطلوب. 
 
هيئة ومجلس 
 
بيد أن طرح مشروع المجلس الوطني للصحافة سنة 2007، فاقم هذا التعثر الذي طال هذه الهيئة، التي كثيرا ما كان يحلوا لبعض الصحافيين والناشرين، من خارج الهيئة القول في مناسبة أو بدونها بأن هذا الإطار المدني والتمثيلي "خلق ميتا "، بهدف التموقع في المجلس الجديد الذي تأخرت ولادته الى غاية سنة 2018، بعدما سرت - كما يقال - مياها كثيرة تحت الجسر. 
 
 لذا كان حريا بالمجلس الوطني لحقوق الانسان، أن يتوقف في مذكرته، عند هذه التجربة، خاصة بعدما استحضرها عدد من المتدخلين في المائدة المستديرة التي نظمها المجلس في 15 شتنبر 2025، قبل إصدار المجلس لمذكرته 24 ساعة بعد هذا اللقاء الذي تميز بمشاركة أطراف معنية بالموضوع، " فهم كافة التصورات والدفوع المرتبطة بمشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة" كما جاء في الدعوة التي وجهت للمشاركين في هذه الندوة.   
 
لكن تظل مطروحة عدة أسئلة من ضمنها اشكاليتي الاستقلالية والمصداقية بين هيئة اختارت – قبل دستور 2011 – أن تكون اطارا مدنيا، بمبادرة وإرادة خالصة من الصحفيين المهنيين، في أحضان المجتمع الحقوقي والثقافي والجمعوي، و بين مجلس للصحافة، تأسس بموجب قانون رقم  90.13  ك" هيئة مهنية مستقلة" أنيطت به مهام تنظيم وتأطير مهنة الصحافة لضمان أداء رسالتها النبيلة في خدمة الصالح العام، مع احترام أخلاقيات المهنة وحرية الصحافة.