منير الطاهري: الشباب المغربي على مفترق الطرق الرقمية.. من احتجاجات الإنترنت إلى مشروع التغيير الوطني

منير الطاهري: الشباب المغربي على مفترق الطرق الرقمية.. من احتجاجات الإنترنت إلى مشروع التغيير الوطني منير الطاهري
في منتصف شتنبر 2025 تصاعدت على منصات التواصل الاجتماعي دعوات لوقفات احتجاجية شبابية يومي 27 و28 شتنبر للمطالبة بتحسين أوضاع التعليم والصحة ببلادنا، دعوات فرضت نفسها من خلال تعبئة رقمية موسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وباستثمار شبابي ذكي لتراكم انتظارات اجتماعية واقتصادية لدى فئة واسعة من شرائح المجتمع، فئة تطمح للتغيير وترى أن الخدمات العمومية في المغرب لا تلبي الحدود الدنيا لكرامة المواطنين.
هذا، وقد استفادت هذه الحركة الشبابية من الفضاء الرقمي الذي أصبح المنبر الوحيد الفعال للمناصرة والتعبئة بعد الانهيار المدوي لجميع الوسطاء الاجتماعيين من أحزاب ونقابات وهيئات مدنية . وبالفعل فقد أشارت تقارير صحفية واستخباراتية إلى أن هناك حملة واسعة من الإعلانات على منصات شبابية وثقت لدعوات للخروج يومي 27 و 28 شتنبر 2025 للإحتجاج على الوضع المتردي للمؤسسات الاستشفائية بالمغرب
لتحليل السياق الراهن لهذه الدعوات  لا نحتاج إلى طرح أسئلة كثيرة، حول قدرة الأنترنت على تحقيق ما لم يحققه تاريخ من النضال الوطني مند الاستقلال من أجل الحرية والكرامة، لأن الأنترنيت أصبح بالفعل حاضرا في مختلف مناحي حياة الشباب اليوم، ، بل وكذلك وسيلة للتغيير الديموقراطي، فضلا عن ما يقدمه من فرص للشغل والزواج والتسوق والنقل والتجارة الرقمية والتعليم والاجتماعات الافتراضية إلخ ....
الملاحظة الأولى أن هذه  المنصات والشبكات الافتراضية (مجموعات فيسبوك، هاشتاغات، صفحات مبادرة «MoroccanYouthVoice» وغيرها) أصبحت إطارات جديدة لحشد الاهتمام الشعبي وإطلاق نداءات لتنظيم مسيرات ووقفات محلية ومركزية تطالب أساسا بتحسين جودة التعليم والخدمات الصحية وتأمين ولوج الشباب إلى وظائف لائقة. وهي إطارات تشترك وتتوحد، رغم تنوع الجهات الفاعلة فيها، في عنصرين: أولها استخدام لغة احتجاجية واثقة في النفس عبر الفضاء الرقمي لغة تترجم ردة الفعل الجماعي وتعبر عنه كصرخة مجتمعية للحسم، وثانيها التركيز على رفع مطالب معيشية ومؤسسية ملموسة مع اعتماد شعارات قريبة من الناس ومتداولة ضمن الفضاء الرقمي خصوصا بعد الفضائح المدوية التي أثارها موقع جبروت 
مما يجعل التعبئة الرقمية بمتابة مرآة تعكس تراكم إحباطات  المجتمع أمام السياسات العمومية لاسيما إزاء ضعف الخدمات وتزايد بطالة الشباب وتنامي الشعور بفقدان الثقة و الأفق السياسي
الملاحظة الثانية أن هذه التعبئة حددت أهدافا مسبقة تتلخص في تحقيق ضغط اجتماعي بالمواجهة الاحتجاجية الميدانية السلمية دفاعا عن مطالب قطاعية محددة تم تداولها عبر وسائط التواصل بعد أن أصبحت الشبكات الرقمية مسارا لتبادل المعلومات، وتنظيم الأحداث الجماهيرية (منظور كاستيلز وتوفكجي). Manuel Castells . لقد أنتجت الشبكات الرقمية «حركات غضب وأمل» قادرة على التعبئة السريعة، فيما تفصله Zeynep Tufekci  حول قوة وضعف الاحتجاجات الشبكية في  سرعة الانتشار مقابل هشاشة التنظيم الهرمي والقدرة على تحويل التعبئة إلى مطالب قابلة للتفاوض والسياسات. ورغم أن  Evgeny Morozov يحذر من وهم «الديمقراطية الرقمية» ويعتبر أن هناك توظيفا شيطانيا للأنترنت من قبل أنظمة القمع. فإن ذلك لم ينف قوة وحضور هذا الواقع الرقمي كمحدد في الفعل السياسي ونسقه العام.
إن  فهم تجربة الشباب المغربي في هذا السياق ومن هذا المنظور تقتضي الاعتراف بقوة الانتشار والوعي الشبابي، وملامسته لحدود وطابوهات التحول السياسي المؤسسي الذي أصبح بابا مغلقا أمام نخب المعارضة التقليدية. 
لابد من التذكير، أن مواقع التواصل الاجتماعي هي إطار تواصلي خاضع لسيادة الدول، ما يجعل إمكانات رفضها أو تعطيل  استعمال المنصات لأسباب أمنية أمرا ممكنا بدعوى الخصوصية الوطنية ومواجهة نشر المعلومات المضللة أو العمل أحيانا على إخفات صوتها ومنافستها بنشر  «سلوكيات الاستهلاك» واستعمال «التحيز الخوارزمي». وتعميم تراندات التفاهة وفضح الحياة الخاصة للناس أو الكشف عن أسرار الدولة التي أصبح من الممكن الإفراج عنها للرأي العام، ومهما تعددت الوسائل فإن الأطروحات الأمنية  تبرر تدخلاتها الإلكترونية بضرورة مواجهة الانفعالية والخطاب الشبابي الشعبوي غير الناضج والذي يصعب تحويله إلى اقتراحات مؤسسية متماسكة.
مقابل هذه السياسات الانفعالية المزاجية والتحكمية، نجد  أن السياسات الأمنية في كثير من البلدان الديموقراطية أصبحت تلح على ضرورة تأطير نضال تواصلي رقمي فعال، وتعتبر أن تفاعل المؤسسات مع هذه الدعوات يجب أن يكون بناء وإيجابيا وهو في ذلك يحتاج أدوات تنظيمية من الدولة (مراكز شبابية، جمعيات ميدانية، شبكات مدنية) لتحويل الرسائل الرقمية إلى هياكل تفاوضية. 
الملاحظة الثالثة: والتي نعتقد أن لها صلة بالعوامل الاقتصادية لاستعمالات الأنترنيت كما تحتاج تحليلا سويوسياسيا لمفهوم الطبقات الاقتصادية الناشئة من سوق الأنترنت، والتي من الممكن التوسع فيها في مقالات لاحقة، ترتبط هذه الملاحظة  بفرص الشغل التي يوفرها الاقتصاد الرقمي سواء بسبب الوظائف الجديدة أو بفضل التجارة الإلكترونية والعمل عن بعد والتسويق الرقمي وخدمات الدعم التقني والمنصات كلها عوامل ساهمت في تزايد الشركات التجارية الرقمية وظهور بورجوازية وطنية رقمية بإمكانيات تشغيلية محدودة ومحاصرة بفعل استشراء الريع والامتيازات وحصر التكنولوجيا والبنية التحية الرقمية على الطبقة الاقتصادية المهيمنة والمتحكمة وكذا المنع الممنهج للحوافز الممنوحة للشركات الناشئة. ما خلق تضييقا على هذه الشركات وجعل فرص الشغل على الإنترنت سوقا هامشية لا تمتص البطالة الواسعة بين الشباب. 
هذا الوضع الخانق والمأزوم الذي انتبه إليه الشباب المغربي وخصوصا في ظل غياب لأي شراكات بين مؤسسات التعليم والتكوين والقطاع الخاص، ولأي دعم مالي للمبادرات الصغيرة. ساهم في تأسيس وتزايد نزعة المواجهة والنضال الإلكتروني والتنظير لوسائل الضغط الاحتجاجي السلمي عبر الأنترنت، لأن شباب اليوم، وبعيدا عن نظرية المؤامرة والأيادي الخارجية، شباب متشبت بحقوقه ولا يمكن أن يفرط في حقه في الولوج على قدر المساواة للإنترنت كمصدر لمداخيل مستدامة خصوصا في وضعية التضخم وغلاء الأسعار.
اليوم، هل يمكن للأنترنت أن تكون أداة للتغيير الديموقراطي، بفضل ما  تتيحه من  فضاء لتشكيل رأي عام بديل، ونشر شهادات عن واقع الخدمات، ومحاسبة الجهات العمومية. وهل يمكنه أن يكون بديلا عن أدوات المراقبة والتضليل وحجب المحتوى. كما أن التحول السياسي يقوم على تفاعل مؤسساتي وسياسات عامة قادرة على ضمان السلم الاجتماعي والاستجابة للمطالب الاجتماعية، فهل تكون الأنترنت وسيلة لتسريع نقل الرسائل؟ وتحريك مسارات الانتقال الديموقراطي الراكدة؟
المشهد الاجتماعي للشباب وبسبب قلة فرص الترفيه وتنمية المهارات والقدرات، وضغط البطالة، وأزمات نفسية نتيجة الشعور بالهشاشة وتنامي ظواهر الإدمان، والهدر المدرسي، والعزوف عن المشاركة المدنية والسياسية. وكذلك أمام انهيار النموذج والرائد المحلي في ظل ثقافة استهلاكية و«انهيار أخلاقي» مريب، خصوصا بسبب تغير القيم وتغير الممارسات بفعل ظروف مادية (بطالة، هجرة، فراغ مؤسساتي) كلها ظروف أصبحت تفرض على الدولة مزيدا من الحضور والمواكبة لتطلعات الشباب  ليس بالتعبئة الأخلاقية أو الروحية وفقط ولكن بخلق ظروف مادية واجتماعية تعيد الأمل وتمنح الشباب أدوات التوازن المادي والاقتصادي 
إن تراجع الثقة في المؤسسات الانتخابية بين الشباب المغربي ساهم في هشاشة الجسد الشبابي أمام خطاب متطرف لدى شريحة واسعة استنجدت بالدين كإطار للقيمة، وذلك في غياب أي برامج للوقاية النفسية والاجتماعية بتعزيز التعليم النقدي وإعادة ثقة الشباب في الدولة وتوابثها.
الدولة مطالبة الآن، بتحويل مطالب الوقفات إلى مشروع مجتمعي شامل: باستدراك أوضاع البنى التحتية المدرسية، والصحية خصوصا في المناطق القروية والنائية ووضع خطة جريئة للقطع مع الأساليب التقليدية الإقصائية والمهمشة للكفاءات. والرفع من المستوى التكويني للأستاذة والأطر الصحية والأطباء، والتمسك بمجانيةالاستشفاء والتداوي والتعليم، مشروع مجتمعي يقوم على إطلاق برامج تكوين رقمية وطنية لموجهة بطالة الشباب وفتح سوق الاقتصاد الرقمي على شرائح واسعة من المجتمع من خلال شراكات حقيقية بين وزارة الشباب، وزارة التشغيل، القطاع الخاص
مشروع مجتمعي يعيد الثقة للشباب ويستثمر فيهم كطاقات لبناء وطن حر قوي، ببناء مراكز شبابية محلية ومراكز للتمهين والتوجيه المهني ووضع استراتيجيات تواصل حكومية مدنية شفافة بخلق بوابات إلكترونية رسمية كبارومترات لتلقي مطالب الوقفات الاحتجاجية  وتحويلها إلى حوارات إقليمية جهوية ووطنية. 
مشروع مجتمعي للوقاية من التطرف ويدعم تعليما مدنيا حداثيا وعصريا ويدعم الفضاءات التربوية، وبإشراك المجتمع المحلي وطاقاته الشابة..