10 سنوات من الشراكة.. المغرب يعتلي منصة الأمن العالمي

10 سنوات من الشراكة.. المغرب يعتلي منصة الأمن العالمي عبد اللطيف حموشي المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني
تكشف‭ ‬المؤشرات‭ ‬الرقمية‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يمضي‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مضطرد،‭ ‬إلى‭ ‬منحى‭ ‬تصاعدي‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬الدولي،‭ ‬وهو‭ ‬توجه‭ ‬عكس‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬سنوات‭ ‬إدراكا‭ ‬عميقا‭ ‬بأن‭ ‬الأمن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬شأنا‭ ‬داخليا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬قضية‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭ ‬والقارات‭ ‬تستدعي‭ ‬تنسيق‭ ‬الجهود‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬محاربة‭ ‬الجريمة،‭ ‬ومواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬إرهاب‭ ‬وجريمة‭ ‬منظمة‭ ‬وهجرة‭ ‬غير‭ ‬نظامية؛‭ ‬وهي‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مواجهتها‭ ‬بقدرات‭ ‬وطنية‭ ‬معزولة،‭ ‬بل‭ ‬عبر‭ ‬شراكات‭ ‬دولية‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬وتبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬والمعلومات‭. ‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬جعل‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬سياسته‭ ‬الخارجية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬شركائه‭ ‬التقليديين‭ ‬كإسبانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬شقه‭ ‬المؤسساتي،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬انفتاحه‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬كالإمارات‭ ‬والسعودية،‭ ‬ليكرس‭ ‬صورته‭ ‬باعتباره‭ ‬منتجا‭ ‬للأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬ورقما‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬الأمنية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭.‬

ولعل‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬الذي‭ ‬نهجه‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬الحموشي‭ ‬منذ‭ ‬توليه‭ ‬حقيبة‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬ماي‭ ‬2015 (إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مسؤوليته‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬جهاز‭ ‬«الديستي»)،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬مكن‭ ‬المغرب‭ ‬تعزيز‭ ‬توجهه‭ ‬نحو‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي،‭ ‬إذ‭ ‬استمر‭ ‬في‭ ‬مراكمة‭ ‬تجربة‭ ‬نوعية‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬المديرية‭ ‬العامة‭ ‬للأمن‭ ‬الوطني‭ ‬واجهة‭ ‬للتنسيق‭ ‬الأمني،‭ ‬ومركزا‭ ‬لتبادل‭ ‬الخبرات،‭ ‬ومنصة‭ ‬للتكوين‭ ‬والتعاون‭ ‬جنوب-جنوب‭. ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬2015،‭ ‬كانت‭ ‬الحصيلة‭ ‬هي‭ ‬نشر‭ ‬75‭ ‬أمرا‭ ‬دوليا‭ ‬وتوقيف‭ ‬59‭ ‬شخصًا،‭ ‬لكنها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬شهدت‭ ‬قفزات‭ ‬نوعية،‭ ‬حيث‭ ‬عالجت‭ ‬مصالح‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬سنة‭ ‬2024‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬6.800‭ ‬طلب‭ ‬تعاون‭ ‬أمني‭ ‬دولي،‭ ‬مع‭ ‬تنفيذ‭ ‬125‭ ‬إنابة‭ ‬قضائية‭ ‬وتوقيف‭ ‬135‭ ‬شخصا‭ ‬مبحوثا‭ ‬عنهم‭ ‬دوليا،‭ ‬مما‭ ‬يكشف‭ ‬أن‭ ‬قاعدة‭ ‬الشركاء‭ ‬عرفت‭ ‬اتساعا‭ ‬كبيرا‭ ‬يترجم‭ ‬تزايد‭  ‬ثقة‭ ‬الأجهزة‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تقدمه‭ ‬إدارة‭ ‬الأمن‭ ‬المغربية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بدور‭ ‬المساند‭ ‬أو‭ ‬المتعاون،‭ ‬بل‭ ‬تتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬المبادرة‭ ‬والتنسيق،‭ ‬حتى‭ ‬خارج‭ ‬المحور‭ ‬التقليدي‭ ‬للتعاون‭ ‬(إسبانيا،‭ ‬فرنسا،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إلخ…)‭. ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬بفعالية‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬استراتيجيات‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬المغرب‭ ‬حاضرا‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬بصفته‭ ‬لاعبا‭ ‬موثوقا‭ ‬يملك‭ ‬الخبرة‭ ‬والإرادة‭ ‬والإمكانات‭ ‬لتقاسم‭ ‬عبء‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭.‬

ولا‭ ‬يكتفي‭ ‬المغرب‭ ‬بالعمليات‭ ‬الميدانية،‭ ‬بل‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬التعاون‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬التكوين‭ ‬الشرطي‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬الأمن‭ ‬نظمت،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2017‭ ‬و2024،‭ ‬عشرات‭ ‬الدورات‭ ‬لفائدة‭ ‬ضباط‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬منصة‭ ‬إقليمية‭ ‬للتكوين‭ ‬الشرطي‭. ‬وقد‭ ‬ترسخ‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬أكثر‭ ‬مع‭ ‬استكمال‭ ‬أشغال‭ ‬المركز‭ ‬العالي‭ ‬للتكوين‭ ‬الشرطي‭ ‬في‭ ‬إفران‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬الذي‭ ‬يُرتقب‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬قاري،‭ ‬مكرسًا‭ ‬خيار‭ ‬الشراكة‭ ‬جنوب-جنوب‭.‬

ومن‭ ‬الأوجه‭ ‬المهمة‭ ‬للتعاون‭ ‬الدولي،‭ ‬تظل‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمنية‭ ‬رهانا‭ ‬كبيرا‭. ‬حيث‭ ‬استضافت‭ ‬طنجة‭ ‬المؤتمر‭ ‬47‭ ‬لقادة‭ ‬الشرطة‭ ‬والأمن‭ ‬العرب (2023)،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬انتخاب‭ ‬ممثل‭ ‬المغرب‭ ‬نائبا‭ ‬لرئيس‭ ‬الإنتربول‭ ‬عن‭ ‬إفريقيا‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬انهماك‭ ‬إدارة‭ ‬الأمن‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬التحضير‭ ‬للدورة‭ ‬الـ‭ ‬93‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للإنتربول‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مراكش‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬مصالح‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬قد‭ ‬دأبت،‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬لقاءات‭ ‬رفيعة‭ ‬مع‭ ‬قادة‭ ‬أجهزة‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬للاستخبارات‭ ‬الإسبانية‭ ‬ومكتب‭ ‬التحقيقات‭ ‬الفيدرالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬والشرطة‭ ‬الفرنسية‭ ‬والأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬الألماني‭.. ‬إلخ،‭ ‬فإنها‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬ترسخ‭ ‬تعاون‭ ‬وثيقا‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬يخصص‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬موارد‭ ‬مهمة‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬مراقبة‭ ‬الحدود‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭.‬
 
ولا‭ ‬يقف‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬التعاون‭ ‬المؤسستي‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي،‭ ‬إذ‭ ‬نجح‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬شراكات‭ ‬ثنائية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬كبرى‭ ‬تبرز‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬إسبانيا‭ ‬بوصفها‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الشركاء‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬للمغرب‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬الأمنية،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الجوار‭ ‬الجغرافي،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬القواسم‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬التهريب‭ ‬والهجرة‭ ‬والتهديدات‭ ‬البحرية،‭ ‬إذ‭ ‬ظل‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإسبانية،‭ ‬خلال‭ ‬العشرية‭ ‬الأخيرة‭ ‬محوريًا‭.  ‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسبانيا،‭ ‬هناك‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬التي‭ ‬حافظت‭ ‬على‭ ‬مركزية‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬فرنسا‭ ‬ظلت‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخباراتية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬عبر‭ ‬مراقبة‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬وإحباط‭ ‬المخططات‭ ‬الإرهابية‭ ‬قبل‭ ‬وقوعها‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬مظاهر‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬وفرنسا‭ ‬تكليف‭ ‬إدارة‭ ‬الأمن‭ ‬المغربية‭ ‬بدعم‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬الألعاب‭ ‬الأولمبية‭ ‬بباريس‭ ‬2024،‭ ‬وذلك‭ ‬بإرسال‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬الشرطة‭ ‬المغربية‭ ‬لتأمين‭ ‬الأولمبياد‭. ‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬يتبادل‭ ‬المغرب‭ ‬وفرنسا‭ ‬معلومات‭ ‬استخباراتية‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬التهريب،‭ ‬المخدرات،‭ ‬الإرهاب،‭ ‬الهجرة،‭ ‬والأمن‭ ‬الداخلي‭. ‬
 
أما‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬فالشراكة‭ ‬معها‭ ‬تأخذ‭ ‬أبعادا‭ ‬استراتيجية‭ ‬لا‭ ‬تقلّ‭ ‬أهمية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وبناء‭ ‬القدرات‭ ‬التقنية،‭ ‬وتحصين‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أبرزه‭ ‬تقرير‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬2023،‭ ‬الذي‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬المغربي‭ ‬اعتقل‭ ‬56‭ ‬فردا‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬ممن‭ ‬لهم‭ ‬صلات‭ ‬بأنشطة‭ ‬إرهابية،‭ ‬منهم‭ ‬40‭ ‬شخصا‭ ‬ذا‭ ‬نزوع‭ ‬متطرف،‭ ‬والبقية‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬ست‭ ‬خلايا‭ ‬إرهابية‭. ‬

ويذهب‭ ‬التعاون‭ ‬المغربي-‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬مدى‭ ‬حين‭ ‬يشمل‭ ‬برامج‭ ‬تقنية‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الجرائم‭ ‬الجديدة: (التحقيق‭ ‬المالي،‭ ‬تحليل‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخباراتية،‭ ‬الأمن‭ ‬السيبراني،‭ ‬والتدريب‭ ‬الشرطي‭ ‬والفني)‭.‬

يظهر‭ ‬إذن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الديناميكيات‭ ‬الأمنية‭ ‬المترابطة،‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬أصبح‭ ‬شريكا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬للسياسات‭ ‬الأمنية‭ ‬الدولية،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأداء‭ ‬العملي‭ ‬والمردودية‭ ‬الأمنية‭ ‬الملموسة،‭  ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬النموذج‭ ‬الأمني‭ ‬المتكامل‭ ‬والمتوازن‭ ‬والموثوق‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬الشراكات‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬أولى‭ ‬المغرب‭ ‬أهمية‭ ‬متزايدة‭ ‬للتعاون‭ ‬جنوب-جنوب،‭ ‬خصوصا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الإفريقي‭. ‬فقد‭ ‬وقع‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تعاون‭ ‬أمني‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكوين‭ ‬الأطر‭ ‬الأمنية،‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬تحركات‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬المراقبة‭ ‬الحدودية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تقارير‭ ‬إقليمية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬1200‭ ‬عنصر‭ ‬أمني‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬إفريقية‭ ‬تلقوا‭ ‬تدريبات‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬بين‭ ‬2010‭ ‬و2023،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الرباط‭ ‬منصة‭ ‬رئيسية‭ ‬لتأهيل‭ ‬الكفاءات‭ ‬الإفريقية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬المشتركة‭.‬

ويعكس‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬قناعة‭ ‬المغرب‭ ‬بأن‭ ‬أمنه‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬أمن‭ ‬محيطه‭ ‬الإقليمي‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬معالجة‭ ‬التحديات‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود‭ ‬مثل‭ ‬الإرهاب‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬تتطلب‭ ‬بناء‭ ‬شبكات‭ ‬تعاون‭ ‬إفريقي-إفريقي‭ ‬موازية‭ ‬للتنسيق‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬يسعى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬موقعه‭ ‬بوصفه‭ ‬فاعلا‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬السياسات‭ ‬الأمنية‭ ‬القارية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتقاطع‭ ‬مع‭ ‬استراتيجيته‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬إفريقيا‭ ‬فضاء‭ ‬للتكامل‭ ‬لا‭ ‬للتبعية‭.‬

ويمتد‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭ ‬جنوب-جنوب‭ ‬إلى‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬يشمل‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬ومنطقة‭ ‬الكاريبي،‭ ‬حيث‭ ‬انخرط‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬حوارات‭ ‬أمنية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬البرازيل‭ ‬والمكسيك‭ ‬وكوبا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمحاربة‭ ‬شبكات‭ ‬المخدرات‭ ‬العابرة‭ ‬للأطلسي،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬10%‭ ‬من‭ ‬المخدرات‭ ‬الصلبة‭ ‬الموجهة‭ ‬نحو‭ ‬أوروبا‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬مسارات‭ ‬إفريقية-أطلسية‭. ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬يمنح‭ ‬المغرب‭ ‬موقعا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬يتجاوز‭ ‬محيطه‭ ‬الإقليمي‭ ‬المباشر‭ ‬ليشمل‭ ‬فضاءات‭ ‬جديدة‭ ‬تربط‭ ‬الجنوب‭ ‬بالجنوب‭ ‬عبر‭ ‬الأطلسي‭.‬

إن‭ ‬قراءة‭ ‬شاملة‭ ‬لمسارات‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬المغربي‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬2015،‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬سياسة‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬الواقعية‭ ‬والبراغماتية‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭. ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬شراكاته‭ ‬الأوروبية‭ ‬والأطلسية‭ ‬والإفريقية،‭ ‬استطاع‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ ‬لنفسه‭ ‬موقعا‭ ‬استراتيجيا‭ ‬يوازن‭ ‬بين‭ ‬مقتضيات‭ ‬أمنه‭ ‬الداخلي‭ ‬وضرورات‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأرقام‭ ‬والنسب‭ ‬المئوية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بعمليات‭ ‬التنسيق،‭ ‬والدعم‭ ‬اللوجستي،‭ ‬والتكوين،‭ ‬والتبادل‭ ‬الاستخباراتي،‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬مستقبل‭ ‬للخبرة‭ ‬الأمنية،‭ ‬بل‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬لها،‭ ‬وإلى‭ ‬شريك‭ ‬يُعتد‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬هندسة‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي،‭ ‬مما‭ ‬أتاح‭ ‬له‭ ‬استثمار‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬كأداة‭ ‬لتعزيز‭ ‬مكانته‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والاقتصادية‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن
رابط العدد هنا