الدكتور الشرقاوي: العربي، قرصان سلا وعاشق لغة موليير 

الدكتور الشرقاوي: العربي، قرصان سلا وعاشق لغة موليير  الدكتور أنور الشرقاوي 
يطلّ علينا رجل من مدينة سلا العريقة، لا يحمل سيفاً ولا راية، بل يحمل قلماً وحرفاً فرنسياً ناعماً كوتر العود. 
هذا الرجل هو العربي، قرصان الكلمات، الذي جعل من لغة موليير مركباً ومن ضفاف أبي رقراق ميناءً لأحلامه.
على أرصفة سلا، حيث يلتقي النهر بالبحر في عناق أبدي، يمشي العربي بخطوات يعرفها الغروب قبل أن تعرفها الأرض. 
ظلّه يطول على صفحة الأفق، كقرصانٍ عائد من مغامرة لا يبحث عن غنائم مادية، بل عن حصيلة من الجُمل والمعاني.
العربي لا يحب اللغة الفرنسية حبّاً عادياً، بل يعبدها كما يُعبد المعشوق النادر. 
 

مسكونٌ بسحر الحرف F:
F كما في Frisson، رجفة القلب حين يهتزّ بالحياة،
F كما في Fraternité، أخوة الروح في لحظة صفاء،
F كما في Fleurir، تفتّح الورود على بياض الورق،
F كما في Fougue، اندفاعة الشعراء التي تهزّ الكيان.
في مقاهي المدينة العتيقة، يُرى العربي منحنياً على كتاب لكامو أو قصيدة لإيلوار.
 يرفع رأسه أحياناً، يلقي بيتاً شعرياً بصوت عميق، فتسكت الطاولات من حوله لحظة، ثم تبتسم، كأنها تُبارك ما سمعته.
المدينة، التي اعتادت على رائحة الجلد وأصوات حكاواتي باب الخميس او سوق الغزل، تتزيّن فجأة بأناقة أخرى حين يتكلم العربي.
يكتب رسائله كما يكتب العشاق وعودهم السرية، بخطٍّ رشيقٍ يرقص على الورق، كأنه طقس مقدّس يقدّم فيه كل كلمة قرباناً لعبقرية موليير.
وعندما يهبّ نسيم البحر في المساء، يقف على الأسوار، يطلّ على الرباط المتلألئة، أو ينظر من الرباط نحو سلا الأمّ. 
هناك، يحلم بعالمٍ يتحدّث فيه الناس عن الحب والحرية بلغة صافية، كالماء الخارج للتو من عين جبلية.
العربي، قرصان الحروف، لا يسلب السفن بل يأسر القلوب، ولا يغنم الذهب بل يغنم النفوس. 
ومن رباط الفتح، كل مساء، يكتب روايته الخاصة: حكاية رجلٍ ومدينةٍ ولغةٍ جعلها عشيقته الأبدية – الفرنسية، لغة قلبه وروحه.
إن في العربي شيئاً من القرصان القديم الذي لا يهدأ حتى يكتشف أرضاً جديدة، غير أن أرضه هي الورق، وبحاره هي الكتب، وأشرعته حروف اللغة الفرنسية. 
ومن أرصفة سلا إلى ضفاف الخيال، يظلّ العربي شاهداً على أن للكلمات سلطاناً يفتح القلوب كما كانت المدافع تفتح الموانئ.