جمال الدين ريان: مونديال الصحة بين الحق الدستوري والواقع السياسي

جمال الدين ريان: مونديال الصحة بين الحق الدستوري والواقع السياسي جمال الدين ريان
الصحة ليست مجرد خدمة اجتماعية عابرة، بل هي حق دستوري أصيل ومشروع لكل مواطن مغربي، كما نص عليه دستور 2011 في فصله الحادي والثلاثين. لكن، ما بين النصوص الدستورية والشعارات الرسمية من جهة، والواقع الصحي المعيش من جهة أخرى، مسافة كبيرة تكشف عن عمق الاختلالات البنيوية والسياسية التي ما زالت تعيق حق المغاربة في ولوج خدمات صحية عادلة وشاملة.
 
عندما نتحدث عن "مونديال الصحة" فإننا لا نقصد شعاراً دعائياً بقدر ما نطرح سؤالاً سياسياً واجتماعياً عميقاً: هل يمكن أن نحلم بمغرب يضع الصحة في قلب أولوياته الوطنية كما يضع كرة القدم أو المشاريع الكبرى التي تستنزف مليارات الدراهم؟ هل يمكن أن تتحول الصحة إلى مشروع وطني شامل يستند إلى رؤية استراتيجية تُحقق العدالة الصحية وتكافؤ الفرص، بدل أن تبقى مجرد وعود تُسكن آلام المواطنين بالمسكنات؟
 
الحق في الصحة ليس ترفاً، بل هو أساس التنمية البشرية وشرط وجودي لأي مشروع اقتصادي أو اجتماعي. لا يمكن بناء مغرب منتج وقوي دون مواطن يتمتع بأدنى مقومات الحياة الكريمة: مستشفى مجهز، دواء متوفر، طبيب حاضر، وبنية صحية محترمة في كل قرية ومدينة. لكن الواقع يفضح أن المواطن في الأطلس أو في دواوير سوس والريف ينتظر ساعات طويلة أمام مستوصف فارغ أو يسافر مئات الكيلومترات بحثاً عن سرير في مستشفى عمومي، بينما المواطن في العاصمة يواجه ازدحاماً خانقاً ومواعيد طويلة الأمد. الفوارق المجالية والاجتماعية في القطاع الصحي تعكس بشكل صارخ أزمة العدالة الاجتماعية في المغرب.
 
الصحة في المغرب ليست فقط ملفاً تقنياً يتعلق بالبنية التحتية أو الموارد البشرية، بل هي قضية سياسية بامتياز. حينما لا تُعبئ الدولة كل الوسائل اللازمة لضمان العلاج والعناية الصحية، فهي لا تفرط فقط في التزاماتها الدستورية، بل تُسهم في تكريس الفوارق الطبقية وتهميش الفئات الضعيفة. إن مشروع "مونديال الصحة" لن يتحقق إلا إذا تحولت الصحة إلى أولوية وطنية تسبق كل المشاريع الترفيهية، وإذا تظافرت جهود الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص في اتجاه واحد: ضمان صحة وكرامة كل مواطن مغربي.
 
الصحة ليست امتيازاً ولا منحة من السلطة، بل حق أصيل يملكه المواطن، وحرمانه منها هو حرمان من الحياة نفسها. لذلك فإن المعركة من أجل "مونديال الصحة" هي معركة سياسية ومجتمعية بامتياز، لا تقل أهمية عن معركة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.