تكريم مستحق… لكن بنصف صورة
خطوة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في تكريم ثلة من نجوم الكرة الوطنية، على هامش إعادة افتتاح مركب مولاي عبد الله بالرباط، تستحق كل التنويه. فهي مبادرة تُعيد الاعتبار لجيل قدّم الكثير للرياضة الوطنية، ورفع راية المغرب عاليًا في المحافل الدولية.
لكن ما أثار الاستغراب والجدل، هو غياب اسم كبير من ذاكرة الكرة المغربية: الحاج بوجمعة بنخريف، صخرة الدفاع وأحد أعمدة منتخب ميكسيكو 70، وربما آخر الأحياء من تلك الكتيبة التي دخلت تاريخ المونديال من بابه الواسع.
مسيرة لاعب استثنائي
بوجمعة بنخريف وُلد سنة 1944، وهو أب لخمسة أبناء. بدأ مشواره مع النادي القنيطري (الكاك) في سن 13 عامًا، بعدما اكتشف موهبته اللاعب محمد بلطام. لعب في مختلف الفئات، وتميز بقوة بدنية لافتة جعلت المدرب أحمد الصويري يشركه في الدفاع، قبل أن يضعه المدرب عبد الحق القدميري ضمن التشكيلة الرسمية ضد الجيش الملكي موسم 1964-1965.
تميز بوجمعة بقدرته على الجمع بين الدفاع والهجوم، وسجل أهدافًا حاسمة خصوصًا من الكرات الثابتة. استُدعي أول مرة إلى المنتخب الوطني سنة 1966، ثم رسخ مكانته لاعبًا رسميًا بعد تألقه في معسكرات أكادير والجديدة.
مسيرته الدولية غنية:
شارك في إقصائيات الألعاب الأولمبية 1968 و1972.
خاض إقصائيات كأس العالم 1970، حيث كان ضمن التشكيلة الرسمية في مونديال المكسيك.
لعب إقصائيات كأس الأمم الإفريقية، وسجل هدف التأهل ضد الجزائر، وهو من أهم أهداف تاريخ الكرة المغربية.
حمل شارة العمادة لسنوات طويلة بعد غياب باموس.
كما حصل على عدة ألقاب فردية:
أفضل لاعب مغربي 1969 (جريدة لوبتي ماروكان).
أفضل رياضي بالمغرب 1970 (جريدة الرأي).
نسيان متكرر وإحباط عميق
رغم هذه المسيرة الذهبية، ظل بوجمعة يشكو من التهميش لعقود. عنوان نشرته جريدة العلم سنة 1976 يلخص الكثير: "بوجمعة… لك الله". ومنذ ذلك الحين، لم يحظَ بما يليق بتاريخه من التفاتة رسمية، سواء من المسؤولين المحليين بالقنيطرة أو من الجامعة الملكية.
هذا الإقصاء ترك أثرًا نفسيًا واضحًا على اللاعب، الذي عبّر أكثر من مرة عن شعوره بالإحباط من "النسيان الممنهج".
فرصة لتصحيح المسار
ورغم كل ما سبق، فإن غياب اسمه عن حفل التكريم الأخير لا يجب أن يُقرأ فقط كعتاب، بل كـ فرصة لإصلاح ما فات:
إرساء آلية مؤسساتية: أن تتبنى الجامعة الملكية إطارًا دائمًا يضمن تكريم جميع اللاعبين الذين بصموا تاريخ المنتخب، بعيدًا عن الانتقائية.
توثيق الذاكرة الرياضية: إطلاق برنامج وطني يهدف إلى جمع وتوثيق شهادات وصور وسير الجيل الذهبي، ومن بينهم بوجمعة بنخريف، حتى تظل إرثًا للأجيال المقبلة.
مبادرات محلية: انخراط الجمعيات والهيئات المحلية بالقنيطرة في تكريم رموزها الرياضية، تأكيدًا على أن الاعتراف يبدأ من المدينة التي أنجبت البطل.
الذاكرة كاستثمار
تكريم النجوم ليس مجرد احتفال رمزي، بل هو استثمار في الذاكرة الوطنية وضمانة حتى لا يضيع تاريخنا الكروي مع مرور الزمن. وبوجمعة بنخريف، بما قدّمه من عطاءات وبطولات، يستحق أن يكون في صدارة هذه الذاكرة، حيًّا يُكرَّم قبل أن يُكرَّم غيابًا.