سعيد التمسماني: الانتخابات بين مسؤولية المواطن وبناء مستقبل المغرب

سعيد التمسماني: الانتخابات بين مسؤولية المواطن وبناء مستقبل المغرب سعيد التمسماني
في المغرب اليوم، تتقاطع تحديات متعددة على حياة المواطنين: من أزمة اقتصادية تضغط على القدرة الشرائية، إلى تفاوت في الفرص التعليمية والصحية، مروراً بتحديات التوظيف والبنية التحتية. هذه المعطيات اليومية قد تدفع البعض إلى التذمر أو الانسحاب من الحياة العامة. لكن الشكوى وحدها لا تغيّر الواقع، بل قد تصبح عائقاً أمام الفعل الجاد والفعّال.
 
في المملكة المغربية، القائمة على ملكية دستورية متطورة، تكمن قوة المواطن الحقيقية في المشاركة السياسية، وأول خطوة نحو التأثير على مسار الدولة هي الانتخابات. التصويت ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو آلية حيوية لممارسة المواطنة، وأداة مباشرة للمشاركة في صنع القرار. عبره، يمكن للمواطن أن يختار من يمثل مصالحه، ويؤثر على السياسات التي تحدد جودة حياته ومستقبل أبنائه.
 
تاريخياً، لم يُكتسب هذا الحق إلا بتضحيات جسيمة. نضالات الأجيال السابقة، التي ساهمت في بناء الدولة الحديثة، لم تكن لتنجح إلا من خلال الحرص على توفير أساس للمشاركة الديمقراطية لكل مواطن. الامتناع عن التصويت اليوم، ليس فقط فقداناً لفرصة المشاركة، بل إغفال للذاكرة التاريخية وللجهود التي بُذلت لتحقيق مكتسباتنا المدنية والسياسية.
 
الانتخابات هي لحظة لتفعيل مسؤولية المواطن تجاه المجتمع. المشاركة ليست مجرد واجب مدني، بل استثمار في مستقبل الجماعة، وإسهام في استقرار المؤسسات وتقوية المسار الديمقراطي داخل ملكية دستورية متوازنة. كل صوت يُدلى به يساهم في إرساء قرارات تعكس إرادة الشعب، وتحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزز العدالة والمساواة، ويضمن استمرارية الحكم الرشيد.
 
التخلي عن هذا الحق يعني ترك الآخرين يقررون بدلنا، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع مؤثر في جودة السياسات العامة. بالمقابل، المشاركة تعني التأثير المباشر على الخطط المستقبلية، وتحويل الانتقادات إلى خطوات عملية، والإحباط إلى مبادرات إصلاحية. المواطن الفاعل هو صانع القرار والمراقب والمسؤول، وهو الضامن لاستمرار المؤسسات في أداء مهامها بكفاءة وعدالة.
 
في المحصلة، المشاركة في الانتخابات ليست مجرد خيار فردي، بل فعل جماعي مسؤول، يجسد العلاقة الحية بين الدولة والمواطن، ويؤكد على أن مستقبل المغرب، في بنيته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مرتبط مباشرة بمدى وعي أفراده وحسن استخدامهم لحقهم في التصويت. فكل صوت هو رسالة، وكل مشاركة هي شهادة على الالتزام بالمسؤولية الوطنية.
 
الامتناع عن التصويت يعني القبول بالجمود، أما التصويت فهو اختيار البناء، والاختيار الواعي لمستقبل أفضل، حيث يكون لكل مغربي صوت وتأثير ومسؤولية.