أنور الشرقاوي: بوح طبيبة نفسانية مغربية.. رسالة إلى اللذين اودعوني اسرارهم بكل ثقة

أنور الشرقاوي: بوح طبيبة نفسانية مغربية.. رسالة إلى اللذين اودعوني اسرارهم بكل ثقة الدكتور أنور الشرقاوي
مرضاي الأعزاء،
أكتب إليكم اليوم، لا من عيادتي حيث تدق الساعة بين صمت وصمت، بل من موضع أعمق، حيث تخلع الروح عباءتها وتقف عارية أمام الحقيقة.
 
منذ أربعة وثلاثين عاماً وأنا أمارس مهنتي، قبل أن يجد الطب النفسي الخاص مكاناً له في هذه المدينة، كل وجودي كطبيبة نفسية بفضلكم أنتم.
 
أنتم الذين فتحتم لي أبواب لياليكم الساهرة وأيامكم المثقلة بالقلق.
أنتم الذين أودعتم بين يدي أسراركم الأشد رهافة، مرةً وأنتم ترتجفون، ومرةً ودموعكم تبلل الخدود، ومرةً وابتسامة شجاعة تشق وجه الألم.
 
لقد علمتموني أكثر مما استطعتُ يوماً أن أداويكم به.
كشفتم لي أن المعاناة مدرسة، وأن الضعف قد يكون قوة، وأن في أظلم لحظات الليل يظل خيط من نور متأهباً كي يشتعل.
 
وكما كتب سبينوزا: "الفرح هو عبور الإنسان من حالة نقص إلى حالة كمال".
وكم رأيت هذا الفرح يطل من عيونكم، خجولاً أول الأمر، ثم يفيض على كيانكم حتى يصير حياة جديدة.
كل يوم أتلقى منكم هدايا لا تُشترى: دعوات تهمسون بها عند خروجكم، ابتسامات تذيب همومي، وكلمات شكر تعيد لمعنى السهر قيمةً ومعنى.
 
لعلّكم لا تدركون أن شجاعتكم هي ما أبقاني وفيّة لرسالتي، حتى حين كان التعب ينهشني ويذكّرني العمر بثقله.
أنا إنسانة، ضعيفة أحياناً، قلقة أحياناً.
 
لكنكم علمتموني أن الطب الحق ليس في الوصفات الطبية فحسب، بل في اللقاء الإنساني، في تلك اللحظة التي تتقابل فيها روحان بلا حكم ولا حواجز، وتتعرفان على بعضهما البعض.
 
شكراً لأنكم في حياتي، لأنكم جعلتم من مهنتي حجّاً نحو جوهر الإنسان: نحو فهمه في عريه وجماله وفوضاه.
تقبّلوا مع هذه الرسالة أعمق عبارات الامتنان من إنسانة تعلمت منكم أصدق دروس الحياة: التواضع أمام سرّ الوجود.
 
بكل الشجن والاحترام