لقاء نزار بركة الأخير بإقليم بنسليمان لم يكن مجرد محطة حزبية عادية، بل كان رسالة سياسية مزدوجة: أولاً تأكيد الثوابت الوطنية التي لا تقبل المساومة، وثانياً رسم ملامح رؤية تنموية تضع العدالة المجالية في قلب المشروع الاستقلالي للمرحلة المقبلة.
الثوابت الوطنية: تحالف الذاكرة والشرعية
منذ افتتاح اللقاء بتلاوة الفاتحة على أرواح شهداء فلسطين، بدا واضحاً أن بركة أراد تثبيت البوصلة. فالقضيتان المركزيتان، الصحراء المغربية وفلسطين، ليستا مجرد شعارات في خطاب الحزب، بل جزء من إرثه التاريخي وهويته السياسية. الرسالة كانت حاسمة: لا حل خارج الدولة الفلسطينية المستقلة، ولا مساومة على الوحدة الترابية للمغرب.
هذا الموقف يعيد حزب الاستقلال إلى دوره الطبيعي كفاعل سياسي يربط بين الشرعية التاريخية والشرعية الوطنية، ويؤكد حضوره في النقاشات الاستراتيجية الكبرى للمملكة.
من المعارضة إلى الشريك الاستراتيجي
بركة لم يكتف بالتذكير بالمواقف، بل قدّم نفسه وحزبه كفاعل مسؤول في البناء الوطني. استحضاره لخطاب عيد العرش لم يكن مجرد إحالة بروتوكولية، بل تأكيد على أن حزب الاستقلال يريد أن يكون شريكاً في تفعيل النموذج التنموي الجديد، لا مجرد مراقب من بعيد.
في هذا الإطار، جاء تركيزه على العدالة المجالية كعنوان لمرحلة ما بعد الجائحة، حيث لم يعد مقبولاً أن يستمر المغرب بسرعتين، واحدة للأقطاب الاقتصادية الكبرى وأخرى لأقاليم تعرف هشاشة بنيوية.
بنسليمان كرمزية للرهان الجديد
اختيار بنسليمان لم يكن بريئاً، فهي اليوم تشهد تحولات كبرى: من مشروع أكبر ملعب في العالم، إلى مصنع اللقاحات، إلى ربطها بشبكات النقل الحديثة. بركة قرأ هذه المشاريع بوصفها مؤشرات على تحول الإقليم إلى قطب استثماري استراتيجي، محذراً في الوقت نفسه من أن نجاح هذه المشاريع يظل رهيناً بقدرة الشباب على التأهيل والانخراط في المهن الجديدة.
هنا يبرز البعد العملي لخطاب الحزب: ليس الاكتفاء بانتقاد الفوارق، بل تحفيز الساكنة على استثمار الفرص التي تتيحها السياسات العمومية.
رسالة سياسية مزدوجة
الجزء الأكثر جرأة في الخطاب كان تحذيره من تداعيات ضعف المشاركة الانتخابية، وربطه المباشر بين نسبة المشاركة وموقع المغرب التفاوضي في قضية الصحراء. هذا الربط يُعيد النقاش حول الشرعية الانتخابية كشرط أساسي لقوة الدولة في الخارج، ويكشف عن رغبة الحزب في استعادة الثقة بين المواطن والسياسة استعداداً لاستحقاقات 2026.
قراءة استراتيجية
خطاب بركة يعكس محاولة حزب الاستقلال التموقع كقوة وسطية متجددة: حزب يجمع بين المبدأ والبراغماتية، بين الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى وتقديم حلول عملية للتنمية المجالية، وبين استحضار التاريخ وصياغة مشروع للمستقبل.
إنها دعوة ضمنية إلى باقي القوى السياسية: بناء مغرب الغد لن يتم إلا بخلق جبهة داخلية متماسكة، وإشراك المواطن في المشروع الوطني لا كمجرد ناخب موسمي، بل كشريك فاعل في صناعة القرار.