حمضي: هكذا عشت قضية الشاب محمد حفيظ الذي رفض أن يكون برلمانيا مزورا

حمضي: هكذا عشت قضية الشاب محمد حفيظ الذي رفض أن يكون برلمانيا مزورا محمد حمضي، وفي الإطار محمد حفيظ
تابعت هذه الأيام ما تداوله الإعلام الوطني فيما عُرف قبل حوالي ثلاثة عقود، برفض شاب انتمى بكل فخر واعتزاز لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قبل أن يغادر صفوفه وهذا حقه،  بأن يكون برلمانيا مزورا.
 
من المؤسف أن تتم العودة لهذه القضية، ليس من باب اعتبار ما أقدم عليه الشاب محمد حفيظ، تحولا استثنائيا في تاريخ الانتخابات بالمغرب، ودعوة للقطع مع التطبيع مع التزوير الذي لحق كل الاستحقاقات الانتخابية التي عاشتها بلادنا، منذ دخولها مرحلة الجهاد الأكبر، والأهم ضخا لدم جديد في شرايين استراتيجية النضال الديمقراطي التي دشنها ووضع أسسها، حزب عبد الرحيم بوعبيد في مؤتمره الاستثنائي مطلع شهر يناير 1975، بل يمكن تصنيف اللغط الجديد الذي لحق ما حدث عشية وضع اللمسات الأخيرة على حكومة التناوب، في باب انخراط من قدم معلومات غير صحيحة، في مخطط محو القدوة، وهو المخطط الذي تؤدي كلفته الغالية بلادنا اليوم....! فكم يلزم بلادنا اليوم لمصالحة شبابها مع السياسة كفعل نبيل؟
 
الحمد لله الذي أطال في عمري حتى اليوم ،لأقدم شهادتي في قضية رفض محمد حفيظ المقعد المزور، وهي القضية التي عشت الكثير من تفاصيلها من موقعي كعضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية، وعضو اللجنة الوطنية للانتخابات التابعة للحزب.
 
ولكي لا أكرر ما جاء في رد الأخ العزيز محمد حفيظ على رئيس المجلس الوطني لحزب المصباح. وبالمناسبة، ما دامت المناسبة شرطا، فعبد ربه والأخ محمد حفيظ ودعنا بعضنا سياسيا صيف 2006، لأسباب أدلى فيها كل واحد منا بدلوه في حينه ،واختار كل واحد منا خدمة وطنه من داخل الحقل الذي يلمس في نفسه بأن حضوره فيه قد  يشكل قيمة مضافة. لكن وهذا للتاريخ ، فمنسوب صداقتنا ظل قويا.
 
رد الأخ محمد حفيظ الذي رفض أن يشغل مقعدا برلمانيا مزورا، كما أشرت لذلك من قبل، جاء شاملا في أدق تفاصيله، ولا يمكنني إلا أن أبصم عليه بالعشرة. لكن الجانب في الموقف  الذي ارتأيت تسليط الضوء عليه، لم يعلم به إلا عبد ربه، والأخ محمد الساسي. معلومة تفند ما جاء على لسان الأمين العام لحزب المصباح.
 
في  النصف الثاني من يوم السبت 15 نونبر 1997، وأنا والأخ محمد الساسي رأسا لرأس بالقاعة الخاصة بالمكتب الوطني للشبيبة الاتحادية، بمقرها الوطني، 76 زنقة تانسيفت، طلب مني هذا الأخير أن أحضر في اللقاء الاذاعي مع اذاعة بي بي سي.... . BBC طبعا كنت مزودا بالعدة التي لها علاقة برفض الأخ محمد حفيظ للمقعد البرلماني المزور، لأنني كنت ضمن الحلقة الضيقة التي يعلم أفرادها بذلك. وهنا سأفتح قوسا قبل اتمام السرد. إن لم تخني ذاكرتي، فإن الصحفية المكلفة بتنشيط اللقاء، زارتنا بالمقر، وكانت لنا معها دردشة، أنا والأخ محمد الساسي.
 
وأنا أستعد للذهاب للمشاركة في اللقاء الإذاعي، لم يكن من همٍّ يشغل بالنا، ويؤرقنا، غير كيف نحافظ على سرية خبر رفض الأخ حفيظ المقعد البرلماني المزور إن طُرح الموضوع في اللقاء. لماذا أرهقتنا حماية سرية المعلومة، وشكلت هاجسنا الأكبر؟ لسبب بسيط  لم يكن غير تفويت الفرصة على المرحوم ادريس البصري، الذي كنا نتوقع إن علم بقرار الأخ حفيظ، والنتائج رسميا لم يتم الاعلان عنها، فإنه لا محالة لن يتردد في تدارك زلته السياسية.
 
قبل مغادرتي مقر الشبيبة، وصلنا خبرا يفيد بأن حزب العدالة والتنمية سيمثله في اللقاء عبد الإله بنكيران، فما كان عليَّ إلا أن التمست من الأخ محمد الساسي الحضور بنفسه حتى تكون تمثيليتنا وازنة، وكنت أعي ما أقول. وهو ما كان.
 
لم أتابع البرنامج لأن الأخ محمد الساسي كلفني بربط الاتصال ببعض أعضاء المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية لإخبارهم بالاستعداد لحضور اجتماع مع الكاتب الأول الأخ عبد الرحمان اليوسفي رحمه الله، بمقر الجريدة بالدار البيضاء، من دون أن أفصح لكل من اتصلت به عن دواعي هذا الاجتماع الطارئ.
 
بعد عودة الأخ الساسي أشعرني بأن عبد الإله بنكيران قد تناول الموضوع، فما كان عليه (الساسي) إلا أن تعامل مع الموضوع بهدوء كبير، بغاية ربح الوقت لتفويت الفرصة على وزير الداخلية كما سبقت الاشارة لذلك. لقد كان عامل الزمن يلعب ضد قرار الأخ محمد حفيظ، المدعم في البداية من طرف حلقة ضيقة من أخواته واخوانه بالشبيبة والحزب.
 
صباح الأحد 16 نونبر سيكون اللقاء بالأخ الكاتب الأول، المجاهد عبد الرجمان اليوسفي، تغمده الله بواسع رحمته، كما جاء ذلك في السرد الكرو ولوجي للأخ محمد حفيظ، ردا على ما نشره رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية.
 
من بين ما أحتفظ به في جعبتي عن هذا الاجتماع، شهادة الأخ الكاتب الأول في حق الأخ حفيظ التي لا زلت أحفظها عن صدر قلب "حفظك الله يا حفيظ". المعلومة الثانية هو أن المجاهد سي عبد الرحمان كانت له تقديراته الخاصة في توقيت نشر الخبر، لكنه ما أن غادرنا ووصل إلى بيته، سيعود لربط الاتصال بنا، ومطالبتنا بالتعجيل بنشر موقف الأخ حفيظ  على صدر الصفحة الأولى لعدد الاثنين للجريدة.

أما  بعد 
 
في سنة 2013 أصدر المؤلف الأمريكي تود هنري كتاب بعنوان "مُتْ فارغا"، بعد أن استلهم الفكرة من حضوره اجتماع عمل ، سئل فيه مدير أمريكي الحضور، عن أغنى أرض في العالم، فجاءت الأجوبة متحدثة عن أرض الخليج، ومناجم الماس بإفريقيا.... فعقب المدير قائلا: بل هي المقبرة. لماذا؟ لأن ملايين البشر الذين رحلوا عنّا، حملوا معهم معلومات وافكار وشهادات قيمة لم تخرج للنور، ولم تستفد منها سوى المقابر ! . ألهم الجواب المؤلف الأمريكي، فسارع لكتابة كتابه "مت فارغا".
 
 فها أنا أنحاز لما جاء بالكتاب المذكور، وأختار في قضية الأخ محمد حفيظ أن "أموت فارغا" ، تفويتا للفرصة على كل من أعطى لنفسه الحق في تقديم معلومات لم يعلم بها، عن موقف كان بالإمكان أن يشكل (الموقف) دفعة قوية لاستراتيجية النضال الديمقراطي لو تم استثماره بما يخدم قضايا الوطن.... لكن تمشي الرياح بما لا تشتهيه السفن...
" وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" صدق الله العظيم .
 
أية من كتاب الله تنطبق على من كان ينتظر أن يحقق مكاسب سياسية من نبش مخدوم في موقف شاب ينحدر من أسرة بسيطة، رفض أن يكون برلمانيا مزورا، فما كان غير انقلاب السحر على  الساحر.