مصطفى عنترة: المثقف في مواجهة أسئلة المجتمع الكبرى

مصطفى عنترة: المثقف في مواجهة أسئلة المجتمع الكبرى مصطفى عنترة
أستعير سؤالا أطلقه الكاتب البريطاني وأستاذ علم الاجتماع بجامعة كينت، فرانك فوريدي: أين ذهب كل المثقفين؟، وهو السؤال الذي تحول لاحقا إلى عنوان أحد كتبه.
حين تمر الدول بظروف صعبة وتحولات عميقة تمس بنياتها، يصبح غياب المثقف علامة خلل يتجاوز المجال الثقافي ليطال المجتمع بأكمله. فالمثقف في جوهره لا يصمت، بل ينخرط في النقاش العام، يدافع عن الحرية والكرامة، يرافع من أجل العدالة الاجتماعية، ويتخذ دور الضمير الذي يذكّر، والمرشد الذي يضيء الطريق.
هذا ما نعيشه اليوم في المغرب. فبلادنا تتأثر بتحولات كبرى يشهدها العالم، من حروب وصراعات تعيد رسم خرائط النفوذ الدولي، إلى أحداث محلية جسيمة هزت وجدان المجتمع وأثارت أسئلة عميقة حول حاضر البلاد ومستقبلها... ومع ذلك، يبقى صوت المثقف غائبا، أو يكاد، لا يسمع إلا في لحظات عابرة ونادرة.
كان من الطبيعي أن يكون المثقف في مقدمة هذه الأحداث، يحلل ويستشرف ويفكك الظواهر ويكشف المستور، لكن ما حدث هو العكس. وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فقد ترك غيابه الساحة لخطابات متوترة يغلب عليها التراشق والتهم المتبادلة، في غياب الحس النقدي والبعد التنويري، لتختفي الحقيقة وسط ضجيج اللامعنى.
غياب المثقف يمكن فهمه كسلوك احتجاجي على سياسات سابقة همشت الفكر وأضعفت الثقافة، أو كرد فعل على خيارات راهنة أفرزت شعورا بالإحباط والعزلة. لكن النتيجة واحدة: فراغ قاتل في ساحة الوعي العمومي.
المثقف الحقيقي لا يركن إلى الصمت ولا إلى الحياد المريح، بل يمارس بطبيعته الضغط على الدولة والأحزاب السياسية، يفسر ويشرح ويكشف الاختلالات. أما الانعزال أو تبني خطاب التبرير باسم "الواقعية" و"العقلانية"، فهو نقيض أدواره التاريخية كما جسدها كبار المفكرين في العالم.
إن المجتمعات الحية في حاجة إلى مثقفين أحرار، جريئين، لا يساومون على الحقيقة، لا يصالحون السلطة، ولا يخضعون لأصحاب المصالح. مثقفون يرفعون صوتهم دفاعا عن قضايا الوطن والمجتمع.
غياب هؤلاء فتح الباب أمام فوضى فكرية وإعلامية، حولت النقاش العمومي إلى مساحة يغلب عليها الابتذال والرداءة، مع استثناءات محدودة.
لقد أثبت التاريخ أن أي نهضة مجتمعية حقيقية لا تقوم إلا على نخب فكرية تؤدي وظائفها التنويرية والنقدية، وتمنح المجتمع القدرة على تجاوز أزماته ورسم أفق جديد. أما في غيابها، فإن الطريق يظل مظلما، والمستقبل غامضا.
 
د. مصطفى عنترة، كاتب صحفي