السملالي: من فرنسا إلى المغرب: هل نملك الجرأة لحماية شبابنا من سموم المنصات الرقمية؟

السملالي: من فرنسا إلى المغرب: هل نملك الجرأة لحماية شبابنا من سموم المنصات الرقمية؟ عبد الحي السملالي
في زمنٍ يربّي فيه الخوارزميات أطفالنا أكثر مما تفعل المدارس، لم تعد الأسئلة حول الأمان الرقمي ترفًا فكريًا، بل أصبحت ضرورة تشريعية وتربوية ملحّة. فرنسا، في خطوة جريئة، أطلقت نقاشًا مؤسساتيًا واسعًا حول تأثير تطبيقات مثل “تيك توك” على الصحة النفسية للقاصرين، تُوّج بتقرير برلماني صدر في 11 سبتمبر، وصف المنصة بأنها “خارجة عن السيطرة” و”محيط من القمامة الرقمية”.
 
خلال ستة أشهر، استمعت اللجنة البرلمانية إلى 180 خبيرًا، وجمعت أكثر من 30 ألف شهادة مواطن، لتخرج بتوصيات صارمة:
 
* منع استخدام الشبكات الاجتماعية لمن هم دون 15 عامًا
* فرض حظر رقمي ليلي
* تنظيم عمل الخوارزميات
* إطلاق حملات توعية وطنية
* استحداث “جريمة الإهمال الرقمي” بحق أولياء الأمور
 
هذه التوصيات، وإن كانت لا تزال قيد الدراسة، تعكس تحولًا في الرؤية الأوروبية نحو تشريعات أكثر صرامة، وسط نقاش واسع حول جدواها وتحديات تطبيقها.
 
المغرب: وعي يتشكل… لكن هل يكفي؟
 
في المغرب، بدأت ملامح الوعي تظهر، لكن بوتيرة مترددة. فقد تقدم فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين بمقترح قانون يحدد سن الرشد الرقمي في 16 سنة، كما اقترح فريق التقدم والاشتراكية إجراءات لحماية بيانات الأطفال وإدماج التربية الرقمية في المناهج الدراسية.
 
لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في تقديم المقترحات، بل في نقلها إلى حيز التنفيذ الفعلي. فغياب آليات التحقق العمري، ضعف حملات التوعية، وعدم وجود إطار واضح لمسؤولية الشركات الرقمية، تمثل عقبات حقيقية أمام حماية القاصرين.
 
تشير دراسة للمرصد المغربي للإعلام الرقمي (مارس 2024) إلى أن أكثر من 60% من القاصرين المغاربة يستخدمون “تيك توك” يوميًا، وأن طفلًا من بين كل ثلاثة تعرض لمحتوى صادم مرة واحدة على الأقل شهريًا. هذه الأرقام، إن صحت، تكشف عن أزمة رقمية تتشكل بصمت، في ظل غياب استراتيجية وطنية واضحة.
 
ورغم أن السياق المغربي يختلف من حيث البنية القانونية والتقنية، إلا أن التجربة الفرنسية تطرح أسئلة ملحة حول مدى جاهزية المغرب لتطبيق إجراءات مشابهة، أو على الأقل تكييفها بما يتناسب مع خصوصيته الثقافية والاجتماعية.
 
مسؤولية مشتركة وحلول متعددة المستويات
 
الحل لا يكمن في منع المنصات، بل في بناء منظومة حماية متكاملة، تشمل:
 
* الدولة: سن تشريعات قابلة للتطبيق، إدماج التربية الرقمية في المدارس، وإنشاء آليات رقابة فعالة
•  المنصات الرقمية: تحمل المسؤولية الأخلاقية في حماية المستخدمين القاصرين، وتحسين آليات التحقق العمري، والتصدي للمحتوى الضار
* الأسر: رفع الوعي الرقمي داخل البيت، مرافقة الأبناء في استخدامهم للمنصات، والمتابعة المستمرة للمحتوى
* المؤسسات التعليمية: دمج التربية على المواطنة الرقمية، مناقشة أخلاقيات الاستخدام، وتنظيم ورشات توعوية منتظمة
 
خاتمة: من التشريع إلى الثقافة الرقمية
 
النقاش اليوم يجب أن يتجاوز مسألة “المنع” إلى “كيفية التعامل”. فالقضية ليست في تقليد النموذج الفرنسي، بل في بلورة نموذج مغربي متوازن يجمع بين الضمانات القانونية، التربية الرقمية، والمسؤولية الأسرية.
 
المغرب بحاجة إلى نقاش مجتمعي صريح، يشمل الخبراء، المربين، الأسر، والجهات التشريعية، لبناء استراتيجية واقعية تحمي الشباب دون أن تحرمهم من إيجابيات الفضاء الرقمي. لأن الحماية الحقيقية لا تُبنى على الخوف، بل على التمكين والمعرفة.