ضمن تفاعلات القراء والمتبعين مع ما نشرته "الوطن الآن"، في عددها الحالي، حول السر في تهافت بعض الصحراويين على نشر حفلات زفافهم على "يوتوب"، توصل موقع "أنفاس بريس" بهذه المساهمة من الباحث الاجتماعي محمد سيديا:
كان الزواج في المجتمع الصحراوي يتم في إطار نسق مجتمعي عرفته البداوة الصحراوية، لكن تلك البداوة تغيرت مع المدينة التي أحدثت تغيرا اجتماعيا في نمط عيش الانسان الصحراوي وبنية تفكيره. وكان ولا بد أن ينتقل الإنسان الصحراوي من البدوي إلى الحداثي في المدينة، هذا التغير أثر على جل عادات الصحراويين التي مافتئت أن انفصمت عراها واحدة بعد الأخرى، فأصبح الزواج في المدن الصحراوية يباهى فيه بغلاء المهور وكثرة السيارات وعدد الإبل المقدمة، زيادة على ذلك المطرب أو المطربة التي تحيي ليالي وسهرات الزفاف هل هي أشهر من "ايكيو" الصحراء أو موريتانيا وعدد كاميرات التصوير. غير أن المسألة التي أصبحت منتشرة منذ نهاية سنة 2006 على وجه التحديد هو نشر حفلات الزفاف على موقع "يوتوب" وبعده على مواقع التواصل الاجتماعي وإن كانت في مقاطع على "فيس بوك" و"انستغرام" أساسا، غير أن هذه الظاهرة مستحدثة في مجتمع البيظان تحديدا، وهي دخيلة على المجتمع الصحراوي، فللموريتانيين السبق في نشر العشرات من حفلات الزفاف على موقع "يوتوب"، وإن كانت بدايتها لمشاهير أو فنانين أو حفلات زفاف عرفت بذخا من نوع ما كرمي الأوراق المالية على الراقصين أو مايسمى محليا "لعلاكة"، لتنتقل إلى الأقاليم الصحراوية لحفلات معدودة، عرفت إقامة حفلات زفاف كبيرة على مستوى الشكل والمضمون نظرا لكونها تهم شخصيات من عائلات معروفة ذات نسب أو مال أو أن الفنان الذي أحيى السهرة هو أحد فناني القطر الموريتاني الشقيق..
غير أن السؤال الذي يطرح في موضوع حفلات الزفاف في الصحراء، هو من ينشر هذه الفيديوهات؟ عملية التصوير يتحكم فيها متدخلون عدة، المصور الذي تستأجره العائلة كي يوثق ويصور حفل الزفاف بكاميرته، والعائلة التي تقيم العرس، و الحاضرين الذين قد يكون أحدهم يصور بهاتفه أو آلة تصوير رقمية. الأول لن يستطيع نشر الحفل من نفسه لكونه يتحمل مسؤولية من الناحية القانونية اللهم اذا كان النشر بإيعاز من العائلة التي أقامت العرس، والطرف الثاني: العائلة أو أحد الزوجين بغية التباهي أو ما إلى ذلك، والفاعل الثالث وهم الكثر حيث أن اغلب الأشرطة على "يوتوب" هي عبارة عن مقاطع قام أحد الحاضرين بتصويرها وبالتالي لا يمكن ضبط كل الحضور ومنعهم من التصوير وبالتالي لا تعرف من نشر مقطع دون أخر، سيما وموضة مقاطع الفيديو أصبحت منتشرة لدى الشباب الصحراوي.
من وجهة نظرنا مسألة نشر مقاطع أو حتى حفل الزفاف تدخل في التشهير لكون الزفاف يحضره الكثير من أطياف المجتمع على اختلاف أعمارهم ومشاربهم الفكرية ومستوياتهم.. ونشر صورهم دون طلب إذن منهم يدخل في باب المس بالحرية الشخصية، لكون "يوتوب" وغيره من مواقع الأنترنت يصعب ضبطها وحصر مشاهديها، كما أنه بمجرد تحميل المقطع يصعب تتبع أين يصل أو ماذا سيفعل به.
مؤخرا إحدى العائلات بمدينة العيون كانوا بصدد التحضير لحفل زفاف ابنهم واتفقت الأسرة على عدم إحضار الكاميرا والاقتصار فقط على هواتف والكاميرات الرقمية للعائلة ومحاولة منع كل أجنبي عن العائلة من التصوير، كانت النتيجة أن الكل بقي على طبيعته دون تصنع أو تقمص لدور غير دوره أمام الكاميرا بأضوائها القوية ومر الزفاف في أجواء جد حميمية أسرية، الاسرة وضعت قاعدة انه لن يتم استدعاء مصور في القادم من المناسبات، والبادرة كانت طيبة ولقيت استحسان أغلب المدعوين للزفاف.
وبالتالي مسألة نشر فيديوهات حفلات الأعراس لا أساس لها ولا ارتباط لها بالمجتمع الصحراوي الذي هو مجتمع محافظ منزوي بطبعه. وبالتالي يجب على المؤسسات الوسيطة التقليدية أساسا شيوخ القبائل التدخل في هذه المسألة كما تدخلوا في نقطة غلاء المهور.