عبد الواحد الفقيهي: حين يتحول الخطاب التربوي إلى أداة لإنتاج اللامساواة الرمزية

عبد الواحد الفقيهي: حين يتحول الخطاب التربوي إلى أداة لإنتاج اللامساواة الرمزية عبد الواحد الفقيهي
منذ سنوات، والحديث عن "مدارس نموذجية" أو "مسارات متميزة" يحتل مكانة بارزة في النقاش التربوي. و إذا كنا لا نختلف في كون تجويد العرض التربوي والبحث عن بدائل ناجعة أمرا ضروريا، فإننا نؤكد أن الطريقة التي نقدم بها هذه النماذج، واللغة التي نستعملها في وصفها، قد تكون أحيانا أشد تأثيرا من جوهر التجربة نفسها.
 
في أدبيات علم الاجتماع التربوي، نجد أن اللامساواة ليست مادية فقط، بل رمزية أيضا. أي أن الكلمة التي تقال، والصورة التي ترسم، والتمثلات التي تزرع في الأذهان، قد تنتج شعورا بالتفوق عند فئة، وبالدونية عند أخرى، حتى قبل أن نلمس الفوارق الفعلية في التحصيل أو الموارد.
 
الخطاب التربوي الذي يضخم الفوارق بين المؤسسات والمتعلمين، عبر مقارنات عددية مبالغ فيها أو صور بلاغية صادمة، لا يخدم العدالة التربوية، بل قد يقوضها من حيث لا نشعر. فبدل أن يصبح الإصلاح أداة لتقليص الهوة، يتحول إلى وسيلة لإعادة إنتاجها رمزيا: هناك "تلميذ استثنائي" مقابل "تلاميذ عاديين"، وهناك "مدرسة ريادة" مقابل "مدرسة أقل شأنا".
 
التقييم التربوي الحديث يفرق بين المقارنة الداخلية (يقيس تقدم التلميذ بمقارنة نفسه بما كان عليه) والمقارنة الخارجية (يقيسه بمقارنة إنجازه بأقرانه). إذا رفعنا من شأن المقارنة الخارجية فقط، فسنرسخ منطق التراتبية والوصم، بينما المقارنة الداخلية تمنح كل متعلم إمكانية الاعتراف بتقدمه الشخصي مهما كان حجمه. العدالة التربوية الحقيقية تقوم على هذا الاعتراف: أن يكون معيار النجاح هو التحسن الذاتي، لا فقط الموقع في سلم المنافسة.
 
الإصلاح التربوي لا يحتاج إلى أرقام صادمة أو مقارنات مجازية تفوق الواقع، بل يحتاج إلى لغة دقيقة، مسؤولة، ومتوازنة، تبرز نسب التحسن الملموسة، وتوضح عوامل النجاح، وتعطي الأمل لكل متعلم مهما كانت مؤسسته. فالكلمة التي نختارها لا تخبر فقط عن المدرسة، بل تعيد تشكيل صورة التلميذ في عيني نفسه وفي نظر المجتمع.
 
إن أخطر ما قد نصنعه من غير قصد هو أن نرسخ في وعي المتعلمين أن قيمتهم متفاوتة قبل أن يجلسوا إلى الطاولة أو يمسكوا بالقلم. هنا بالضبط تبدأ اللامساواة الرمزية التي تسبق اللامساواة المادية، وتبقى أعمق أثرا منها.