وفي فن الكتابة والتحرير يتصف بكفاءة عالية، فقد شاهدت بأم عيني في مطلع الثمانينات من القرن الماضي قدرته على كتابة دفاتر كثيرة في وقت وجيز، يسرد فيها ما خطر في باله حول موضوع محدد، وأحيانا لا يترك في الصفحات حيزا فارغا.
ولا يغفل عن شاذة أو فاذة من الأحداث إلا ويدونها في كنانيشه، بدقة وإتقان بالغين على مستوى التعبير والبلاغة.
وكذلك الشأن بالنسبة لمجال التأريخ، فإنه يتميز بقدرة كبيرة على البحث والتثبت والتأكد من المعلومة مقلبا المصادر والمراجع ليقطع دابر شكها ويرسي دعائم صحتها، وبذلك عرف بين الناس وذاع صيته وسطع نجمه وارتفع سقفه وفاض فضله وانتشر أثره واشتهر اسمه.
وفي النصح لا يبخل بما جاد الله به عليه، حيث تجده يقول لمن ضل أو زل أو حاد عن سبيل الجادة، إن هذا الأمر خير لك مما أنت فيه غارق وأعود عليك وأنفع لك من خسرانك وأجدى عليك وأرد عليك بنفع عميم، وأوفر لسهمك وأكمل لحظك وأقوم لحالك، وبفعل إخلاصه في هذا استجاب لنصحه العدد الكبير من المغاربة والأجانب فانقلبوا من حال إلى حال أحسن، بإذن الله الهادي إلى الصراط المستقيم.
وكم داعية ضليع في العلم حكيم في التبليغ عم الناس خيره وبره وفشى فيهم واستفاض وذاع وشاع وانبسط عليهم فضله وانتشر فيهم إحسانه، بما خصه وأفرده به ربه وميزه عن غيره.
ومما عرف به أنه ما لقي مفتونا أو تائها إلا وأرشده ودله وعرفه وعلمه وبصره وفهمه وقومه وثقفه وسدده، مراعيا معادن الناس واختلاف أمزتهم وطبائعهم، إلى أن تنمو بذرة التحول إلى الخير في المستهدف وتثمر وتنضج، ولا يرجو من وراء ذلك غير وجه الله تعالى.
وفي بيته العامر يكرم الضيف بالموجود باذلا أقصى ما لديه دون تكلف، ويدله إلى أرشد الأمور وإلى أقصد المسالك وعلى أهدى السبل، ويعرفه صحيح الأمر ويعلمه قويم المذهب ويقيمه على السواء ويسدد عزمه، إلى أن ينصرف راشدا سالما غانما.
ولولا قواعده وأسسه الأصيلة المتينة المقامة على العلم والنسب الشريف ما رسا طود هذا الشيخ الجليل ولا هطل جوده ولا زخر بحره ولا فاض نهره ولا سطع سعده ولا ارتفع جده ولا بعد صيته ولا اشتد إقدامه، إلى أن بلغ ما بلغه عبر مسيرة طويلة مليئة بكل الظروف والأحوال التي لم تسلم منها مسيرة الأنبياء والرسل والدعاة والصالحين.
وبحصن الله القوي تحرز واحترس، وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تشبث، فتعلق بجبل رفيع واعتصم بموئل وعر المرام واستند إلى طود منيع المرتقى، وتلك مصادر قوته ينضاف إليها اجتهاده، وبالعكس -دون جدوى- أريد له أن يحصر في مضيق وأن يحجز في خندق ففتح الله عليه من حيث لا يحتسب لا هو ولا غيره.
وفي برنامج ليله ويومه تجده ذاكرا وصائما وقائما ومؤذنا، يؤلمه تفرق الناس وتمزقهم وتبددهم وتصدعهم وتضعضعهم، ويؤثر ذلك فيه، وينهضه للدعاء لصالح الأمة وقادتها ولتبليغ المستطاع من إرشاد ونصح باللغتين العربية والإسبانية.
ويتميز الشيخ مولاي علي بحب كبير في البحث والاطلاع، حيث ما غاب عنه علم أو طرأ في الأمة ما لا حكم فيه ولا تأويل، إلا وفحص عن خبره وبحث عن أثره ونقب في طلبه وسبر أمره واختبر حاله وتحسس عن ذكره، في بطون المصادر والمراجع المخطوطة والمطبوعة وفي أفواه العلماء الذين يزورهم أينما أقاموا أو يزورونه.
وكلما تأكد من فساد رأي أو فعل إلا وأوسع صاحبه لوما وتوبيخا وعتبا وتأنيبا وتفنيدا وتقريعا، بالحكمة والموعظة الحسنة مراعيا الحال ومستحضرا المآل.
ومهما اختلف معه المختلفون فما يميزه أنه بحق خادم للقرآن وأن حجته واضحة وبراهينه لائحة وشواهده ساطعة ودلائله لامعة وبراهينه ناصعة وأماراته صحيحة وعلاماته مشروحة ومقالته صادقة ودعاويه موافقة وبرهانه واضح وميزانه راجح، كيف لا يكون كذلك وهو ابن بيت عظيم وسليل العلماء والأشراف والعارفين بالله والأقطاب.
ومن صفاته أنه لا يرائي ولا يتصنع ولا يدعي ما ليس فيه ولا ينسب لغيره ما ليس فيه ولا يقول المخالف له ما لم يقله ولا يبخس الناس أشياءهم ولا يظلم لمجرد الشنآن بل يعدل، ولا يأخذه في الإفصاح عما يؤمن به ويراه صائبا لومة لائم ولو تفرق الناس حوله وبقي وحده.
كل من عاشره يشهد له بأنه رجل حصيف الرأي، حازم الأمر، شهم الصريمة، شديد الشكيمة، نافذ الرأي، جيد الفطنة، متوقد الفؤاد، راجح العقل.
أعجبني قول طارق سويدان عند إشادته بعلماء المغرب حيث قال ما مفاده (أن أكثر العلماء الذين أحب التعلم منهم هم علماء المغرب، ... المغرب كان دائما بلد العلماء، لكن لديكم نقص في التسويق، عرفوا بعلمائكم وبعلمكم ... علم المشرق وصل وعلمكم لم يصل، انشروا علمكم. لكم علم وعلماء وتميز وتفرد لكنكم لا توصلون للآخر علمكم.)
ومن هذا، على سبيل المثال ما يختزله مولاي علي الريسوني من ذخيرة علم وفهم لم يتم التعريف بها ولا تسويقها عالميا ولا حتى وطنيا، إلا بالمجهودات الذاتية التي يبذلها هو نفسه أو خلفه في سبيل الدعوة إلى الله وتنوير الخاصة والعامة وإنقاذ البشرية.