جمال الدين ريان: تحليل الفصل 17 من الدستور المغربي وموضوع الدوائر الانتخابية للمغاربة المقيمين في الخارج

جمال الدين ريان: تحليل الفصل 17 من الدستور المغربي وموضوع الدوائر الانتخابية للمغاربة المقيمين في الخارج جمال الدين ريان

يُعتبر الفصل 17 من الدستور المغربي محطة مهمة في مسار تعزيز حقوق المواطنة الكاملة لفائدة المغاربة المقيمين في الخارج. فقد جاء هذا الفصل ليؤكد بشكل واضح أن الجالية المغربية بالخارج ليست فقط جزءًا من النسيج الوطني، بل هي شريك فعلي في الحياة السياسية، من خلال منحها حق التصويت والترشح في الانتخابات الوطنية.

ينص الفصل 17 على تمتع المغاربة المقيمين في الخارج بجميع حقوق المواطنة، وخاصة الحق في المشاركة السياسية، سواء بالتصويت أو بالترشح للانتخابات. ويتيح لهم هذا الفصل إمكانية تقديم ترشيحاتهم لمختلف الدوائر الانتخابية، سواء على المستوى المحلي أو الجهوي أو الوطني. غير أن الفصل ذاته يترك للقانون مهمة تحديد المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي، وهو ما يعكس حرص المشرّع الدستوري على ضبط العملية الانتخابية بقواعد واضحة ومرنة في الوقت نفسه.

إشكالية الدوائر الانتخابية بالخارج:
ومع ذلك، يُلاحظ أن الفصل 17 لم ينصّ بشكل صريح على إحداث دوائر انتخابية خاصة ببلدان الإقامة أو بالخارج، بل اكتفى بالإشارة إلى الدوائر المحلية والجهوية والوطنية داخل المغرب. وهذا يعني أن المشاركة السياسية للجالية المغربية بالخارج تتم وفق القوانين الوطنية، أي ضمن الدوائر الانتخابية الموجودة داخل التراب الوطني، وليس في بلدان الإقامة.

هذا الأمر يثير عدة تساؤلات حول مدى تمثيلية المغاربة المقيمين بالخارج في المؤسسات المنتخبة، خاصةً وأنهم يظلون مرتبطين بالدوائر الأصلية داخل المغرب، ما قد يصعّب أحيانًا عملية مشاركتهم الفعلية، سواء من حيث التصويت أو الترشح.

استنتاجات وتوصيات:

أولاً:رغم أن الفصل 17 يشكل تقدّمًا دستوريًا في الاعتراف بحقوق المغاربة بالخارج، إلا أن غياب دوائر انتخابية مخصصة لهم في بلدان الإقامة قد يحدّ من فعالية مشاركتهم السياسية. فالمشاركة الحقيقية تقتضي وجود آليات عملية، من بينها دوائر انتخابية خاصة وتمثيل مباشر في البرلمان.

ثانيًا:تكليف القانون العادي بتنظيم هذه الحقوق يفتح المجال أمام المشرّع لإيجاد حلول مبتكرة، مثل تنظيم التصويت الإلكتروني أو تخصيص مقاعد برلمانية للجالية المغربية بالخارج، كما هو معمول به في بعض الدول.

ثالثًا: لتعزيز انخراط المغاربة المقيمين في الخارج في الحياة السياسية الوطنية، من الضروري فتح نقاش عمومي ومؤسساتي حول إمكانية إحداث دوائر انتخابية بالخارج، أو على الأقل تطوير آليات المشاركة عن بُعد بشكل فعّال وشفاف.

في الختام: يمكن القول إن الفصل 17 وضع الأساس الدستوري لمشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في الانتخابات، لكنه ترك الباب مفتوحًا أمام المشرّع لتفصيل كيفيات هذه المشاركة. ويبقى التحدي الأكبر هو ترجمة هذا الحق الدستوري إلى واقع ملموس، يضمن تمثيلية حقيقية وفعّالة للجالية المغربية بالخارج، بما يعكس مكانتها ودورها في المجتمع المغربي الحديث.