شكّل الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد محطة مفصلية في المسار التنموي لبلادنا، حيث أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله على التقدم الملموس الذي حققه المغرب على مستوى التنمية الاقتصادية والمشاريع الكبرى، وفي الوقت ذاته لفت الانتباه إلى التفاوتات المجالية والاجتماعية التي خلفها النموذج التنموي.
ومن هذا المنطلق دعا جلالته إلى إطلاق ورش جديد للتنمية الترابية المندمجة، قصد تجاوز هذه الاختلالات من خلال مقاربة شمولية تستند إلى التنمية المجالية باعتبارها اختصاصا أصيلا للجماعات الترابية بمختلف مستوياتها، سواء في بعدها الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي أو البيئي.
وقد ذكر الخطاب الملكي بالمنجزات التي حققتها بلادنا عبر مجموعة من البرامج التنموية، والتي أسهمت فيها الجماعات الترابية بشكل بارز، باعتبارها تراكمات إيجابية ينبغي تثمينها والاقتداء بها، مع ضرورة تحيين السياسات العمومية بما يتناسب مع المستجدات والرهانات على الساحة الوطنية، والتغيرات الديمغرافية، والتحولات العميقة التي تعرفها مدننا وقرانا على مستوى البنية السوسيولوجية، وكذا على مستوى حاجيات السكان فيما يخص الخدمات الأساسية ومدى ملاءمتها لتطلعاتهم الراهنة والمستقبلية.
كل ذلك يستوجب إصلاحات من جيل جديد تتلاءم مع الدينامية التي تعرفها مددنا الكبرى والمتوسطة، وتستجيب للحاجيات ذات الصلة بالتنمية المندمجة والدامجة في الحواضر الصاعدة وفي القرى خاصة الجبلية، حيث ما تزال مظاهر العجز قائمة رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة والجماعات الترابية والمجتمع المدني. ويعزى ذلك، من جهة، إلى محدودية الإمكانيات المرصودة مقارنة بحجم الخصاص، ومن جهة أخرى، إلى غياب الانسجام بين الرؤى والأولويات.
غير أن معالجة هذه الإشكالات لا يمكن أن تقتصر على الإرادة السياسية أو على التخطيط ورصد الموارد فحسب، بل تتطلب كذلك استحضار البعد الزمني المرتبط بصرامة "الزمن السياسي"، الذي يظل في كثير من الأحيان رهينة لمساطر إدارية معقدة وبطيئة. كما ينبغي الحد من إنهاك الجماعات الترابية، وخاصة الجهات، بمهام ثانوية لا تدخل ضمن أولوياتها كما نصت على ذلك القوانين التنظيمية.
كما أن الاختلالات التي يتم رصدها في الممارسة السياسية داخل الجماعات الترابية، لا ينبغي أن تستغل لتعميم صورة سلبية مبالغ فيها عن الفاعل السياسي، خصوصا وأن هذه الأحكام القاسية تصدر أحيانا عن الفاعلين أنفسهم حينما ينتقلون من موقع المسؤولية إلى موقع المعارضة أو العكس.
وفي هذا السياق، لا بد من الاعتراف بأن الفاعل السياسي المحلي، باعتباره مدبرا للشأن العام، يحتاج إلى كفاءات عالية وإلى تضحيات جسيمة على مستوى الوقت والجهد والقدرة على الإنصات والتواصل، غير أن انتقاده لا يجب أن يتحول إلى جلد ممنهج أو إلى قصف أو حملات تشهيرية عبثية كلما تعارضت مصالح شخصية أو ضاقت سبل الانتفاع. المطلوب هو تقييم موضوعي للأداء، وتشجيع الممارسات الجيدة، ومساءلة الانحرافات بطرق بناءة.
إن التنمية الترابية المندمجة التي دعا إليها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، إذا ما تم تنزيلها وفق مقاربة تشاركية قائمة على الالتقائية بين السياسات العمومية، ستغير لا محالة واقع ساكنة العالم القروي، خاصة فئات المناطق النائية والجبلية، وستجعل من المغرب نموذجا تنمويا رائدا في محيطه الإقليمي، معززا لمكانته الدولية، والأهم من ذلك، أنها ستضمن صون كرامة المواطن المغربي في كل ربوع المملكة، وهو ما شدد عليه جلالة الملك في خطابه السامي، باعتباره جوهر المشروع التنموي الجديد.
حسن مرزوكي، نائب رئيس مجلس جهة سوس ماسة