تشهد الساحة الدولية تحولًا جذريًا إذ تجلت مؤشرات التقارب الاستراتيجي بين الهند والصين خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الهندي إلى بكين، في خطوة تتجاوز الطابع البروتوكولي وتفتح آفاقًا جديدة لإعادة تشكيل التوازن الدولي.
العلاقات الاقتصادية تمثل عمق هذا التقارب: في السنة المالية 2024–25، بلغ حجم التبادل التجاري بين الهند والصين نحو 127.7 مليار دولار، مقارنة بـ81.7 مليار دولار في 2019–20، لكنه حفلت بفجوة ضخمة بين وطأت الصادرات والواردات، ما أنتج عجزًا تجاريًا كبيرًا في صالح الصين.
في المقابل، تمتد العلاقات مع الولايات المتحدة لتشمل القطاعين التجاري والخدمي. ففي عام 2024، بلغ حجم التجارة الأميركية–الهندية في السلع نحو 128.9 مليار دولار، توزّع على 41.5 مليار دولار صادرات أميركية إلى الهند، مقابل واردات بلغت 87.3 مليار دولار، محققة بذلك عجزًا قدره 45.8 مليار دولار لصالح الهند . أما في قطاع الخدمات، فقد سجل التبادل نحو 83.4 مليار دولار، مقسمة على صادرات أميركية إلى الهند بقيمة 41.8 مليار دولار و41.6 مليار دولار واردات، مع فائض خدماتي بسيط في صالح الولايات المتحدة بقيمة 0.1 مليار دولار .
بيد أن التقلبات السياسية أثرت على هذا التوازن. فرضت إدارة الرئيس ترامب، في غشت 2025، رسوماً جمركية مزدوجة تصل إلى 50% على سلع هندية، نتيجة استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي، وهو ما أثار أزمة تجارية حادة . وعلمًا بأن الولايات المتحدة كانت تُعد السوق الأكبر للصادرات الهندية، فإن هذه الخطوة دفعت نيودلهي إلى إعادة توجيه سياساتها وابحثها عن شركاء بديلين وداعمين، وقد وجدت في الصين فرصًا اقتصادية واستراتيجية جديدة.
هذا كله يضع الولايات المتحدة في مأزق استراتيجي. واشنطن التي رأت في الهند حليفًا محوريًا في مواجهة الصين، باتت أمام شريك يكون أقل ولاءً للمشروع الأميركي. وقد تستدعي المعطيات الحالية من الإدارة الأميركية إعادة هيكلة تحالفاتها وتقوية حضورها في المنطقة، سواء من خلال أدوات دبلوماسية أو تحالفات إقليمية جديدة.