جاء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش أنه " ولهذه الغاية، وجهنا الحكومة لاعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية."
في أبجديات التواصل السياسي، يتم تحديد مجموعة من العناصر، من بينها المرسل ( بكسر السين ) المرسل إليه( بالفتحة على السين ) و الرسالة في مضمونها المعلن و المضمر و زمن الرسالة و الهدف منها....
في سياق هذه التوطئة نطرح سؤالا حول الرسالة(الخطاب الملكي) المرتبطة بالدعوة الملكية الصريحة و الاستعجالية في إعتماد جيل جديد من البرامج التنموية الترابية بشرطي التكامل و التضامن. ففي التكامل بعد تقني محض و في التضامن بعد إجتماعي يحاول تجاوز الفوارق الإجتماعية كشرط جوهري لضمان كرامة المواطن.
إن المواطن الذي أصبح كلمة سهلة التداول، شكلت في السابق - و مازالت- مصطلحا تثار بشأنه العديد النقاشات الفلسفية و الفكرية و السياسية، إذ اعتبرت المواطنة في سياقها الحداثي مطلبا جوهريا بالنسبة للدولة الحديثة و مرتكزا جوهريا في البناء الديمقراطي.
أولا: الحسم المفاهيمي:
ضمن الفقرة المقتبسة من الخطاب الملكي وردت عبارة " برامج التنمية الترابية". إن الكلمة المفتاح تتجسد في: الترابية، في إشارة الى المجال الترابي كمجال مشترك بين السلطة المحلية و الهيئة المنتخبة وفق ثنائية التدبير و الوصاية.
إن القانون التنظيمي 113-14 المحدد لاختصاصات الجماعات الترابية يحدد في بابه الثاني الاختصاصات الذاتية للجماعات الترابية وبخاصة برنامج العمل المحدد بالفصل الأول تحت عنوان برنامج عمل الجماعة.
كما تظل الجماعات الترابية مقيدة في تدبيرها المحلي بضرورة حضور عامل العمالة او الاقليم او من يمثله في دورات المجالس. و بالتالي فإن إقرار مقترحات في مجال التنمية الترابية سواء في الدورات العادية أو الاستثنائية للمجالس المنتخبة يخضع إلى الوصاية القبلية للسلطة المحلية.
ثانيا: فرضيات التكليف الحكومي.
تضمن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش مستجدين إثنين أحدهما مرتبط بالحديث عن جيل جديد من برامج التنمية الترابية و الثاني مرتبط بتكليف الحكومة دون المجالس المنتخبة بإعداد هذه البرامج.
وهنا يطرح تساؤل حول: مكامن الخلل. هل في مضمون البرامج التنموية السابقة؟ أم في طريقة تدبيرها؟ أم في الفاعل الترابي؟
أولى الإجابات التي تطفو على السطح، ربما ترتبط بالفاعل الترابي مادام الخطاب الملكي يتحدث عن الحكومة و على رأسها وزارة الداخلية كجهاز تقنوقراطي تنتفي عنه الصفة السياسية-الانتخابية.
قد نجد بعض الإجابات في التكليف الحكومي ( وزارة الداخلية )، باقتراب الاستحقاقات التشريعية ( انتخاب مجلس النواب)، و ذلك تجنبا لاستغلال المنتخب للسلط المتاحة له في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها.
ثالثا: الراس مال البشري.
لطالما شدد ملك البلاد على الاستثمار في الراسمال البشري كركيزة أساسية يعول عليها في تحقيق التنمية المنشودة للبلاد.
بطبيعة الحال لا يمكن حصر الراسمال البشري في الموارد البشرية المكلفة بتنفيذ البرامج بل حتى في الأطر المعنية بالتفكير في إعداد هذه المشاريع و المقترحات. و هنا ينصب الحديث عن المنتخبين، بما يفيد قيام الأحزاب السياسية على الاشتغال بمنطق الكفاءات لا القرابات العائلية و التوريث الحزبي و السياسي أو صراع الأجيال في ظل شيخوخة القيادات.
بل أصبحنا في حاجة ماسة إلى سن قوانين صارمة في مجال العملية الانتخابية في أفق تناوب حقيقي قائم على تجديد النخب.
عبد اللطيف مستكفي/ أستاذ القانون الدستوري و العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية الاجتماعية عين الشق-الدارالبيضاء. و رئيس مركز البديل للدراسات القانونية و السوسيولوجية