سعيد ودغيري حسني: المغرب بين شرف الموقف وتهافت الآخرين

سعيد ودغيري حسني: المغرب بين شرف الموقف وتهافت الآخرين سعيد ودغيري حسني
في صيف سنة تسعة وستين اجتمع الحريق والجراح على جسد الأمة الإسلامية حين امتدت يد مجرمة لتحرق المسجد الأقصى في القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين فاهتز الضمير العربي والإسلامي بين ذهول وصمت وارتباك.
في تلك اللحظة العصيبة نهض المغرب بقيادة الملك الحسن الثاني ليتحمل مسؤوليته التاريخية فاستدعى مؤتمر قمة إسلامي يكون أول لبنة في بناء وعي جماعي جديد ويجمع شتات الأمة الممزقة.
ولم يكتف المغرب بالدعوة بل قدّم الدليل العملي على أن وحدة الأمة أسمى من نزاعات الحدود فبادر إلى الاعتراف السريع بموريتانيا التي كان يعتبرها جزءًا من مجاله التاريخي والجغرافي.
لكنه آثر التضحية بمطالبه الترابية ليبعث للعالم رسالة صريحة أن المغرب لا ينظر إلى الخريطة بعيون الطمع بل بعيون الأخوة وأنه يضع فلسطين والأقصى فوق كل اعتبار.
ذلك القرار لم يكن تفصيلًا سياسيًا عابرًا بل كان شاهدًا على نُبل الاختيار المغربي في زمن كثرت فيه المزايدات وتداخلت فيه المشاريع الإقليمية التي جعلت من القضية الفلسطينية مسرحًا لتصفية الحسابات وميدانًا لتكريس النفوذ.
بينما الآخرون كانوا يرفعون الشعارات ويوظفون الدم الفلسطيني في أسواق المساومات كان المغرب يحمل القضية في قلبه لا في بياناته ويضعها في ضميره لا في خطابات المنابر.
ومنذ ذلك الحين ظل المغرب حاضرًا بالفعل لا بالقول إذ لم يتوقف عن مدّ يد العون للشعب الفلسطيني المحاصر خلف الجدران الجائع تحت الحصار المهدد في أرضه وعيشه.
لم تكن مساعداته مجرد قوافل إنسانية بل كانت استمرارًا لموقف تاريخي يرى في التضامن واجبًا مقدسًا وفي المروءة ركيزة لا تسقط تحت ثقل السياسة.
المغرب في هذا السياق بدا كمن يحرس شعلة في ليل طويل كمن يصون وردة في صحراء قاحلة.
لم يغره بريق الشعارات ولم يستهويه منطق الاستغلال بل ظل ثابتًا على عهد الحق وعلى قسم التضامن.
فإذا كانت بعض الأصوات قد جعلت من فلسطين مطيّة لمطامعها فإن المغرب جعل منها مرآة لقيمه الأصيلة وشهادة على صدق نواياه.
واليوم وبعد أكثر من نصف قرن تتكرر الحرائق في غزة كما تكررت بالأمس في القدس يختلف الزمن لكن المأساة هي ذاتها أطفال يُذبحون وعائلات تُشرّد وأرض تُغتصب وصوت العالم يتلعثم في قاعات المؤتمرات.
ومع ذلك يظل المغرب ثابتًا على موقفه لا يساوم ولا يزايد يحمل قضيّة فلسطين كما حملها الحسن الثاني يوم حُرق الأقصى يحملها محمد السادس اليوم وهو يرسل المساعدات ويصرّ على إبقاء باب الأمل مفتوحًا رغم الحصار والدخان والدمار.
إنه امتداد لعهد قطع منذ عقود أن فلسطين ليست ورقة سياسية بل أمانة مقدسة وأن دم الأبرياء لا ينبغي أن يكون سلعة في أسواق النفوذ.
وهكذا يثبت المغرب أن الشعلة التي أوقدها سنة تسعة وستين لم تنطفئ وأن الوفاء لفلسطين ليس موسمًا عابرًا بل مسيرة ممتدة عبر الأجيال.