محمد هرار: هواتِفُ محظورةٌ وكُتُبٌ تُطبَعُ.. خطّة الدّنمارك لإنقاد منظومة التّعليم في عصر الرّقمنة

محمد هرار: هواتِفُ محظورةٌ وكُتُبٌ تُطبَعُ.. خطّة الدّنمارك لإنقاد منظومة التّعليم في عصر الرّقمنة محمد هرار
في خطوة جريئة مثيرة للإعجاب،  قررت مملكة الدّنمارك - مراعاةً لمصلحة الأجيال - العودة تدريجيّا إلى الوسائل التّعليميّة القديمة، وذلك بعد سنوات من الاعتماد المفرط على التّعليم الرّقميّ التّكنلوجيّ المتقدّم. 
 
وقد جاء القرار استنادا إلى دراسات ميدانيّة وأبحاث علميّة معمّقة ووازنة، أظهرت بجلاء، أنّ التّكنولوجيا المعتَمَدة، لم تحقّق - رغم فوائدها - ما كان يُرجى منها من نتائج في تحسين مستوى المنظومة التّعلميّة وجودتها.
 
كلّ التّقارير الصّادرة عن وزارة التّعليم، تشير إلى أنّ نحو أربعين في المائة من الطّلّاب واجهوا صعوبة في التّركيز أثناء التّعليم عبر الإنترنت ولم يروه محفّزا كافيا على التّرقّي والتّطوير. بينما عبّر ثلثا التّلاميذ عن شعورهم بانخفاض الحافز والجاذبيّة مقارنة بالتّعليم الحضوريّ الشّخصيّ حسب النّمط القديم. كما أنّ المعلّمين لم يكونوا أكثر تفاؤلا؛ حيث أكّد ستة وخمسون في المائة منهم على أنّ الأدوات الرّقميّة، في الظّروف الطّبيعيّة، تُؤدي إلى تراجع الأداء الأكاديميّ بشكل مخلّ ومخجل.
 
إلّا أنّ الأمر لم يتوقّف عند ذلك الحدّ، فقد أظهرت الدّراسات، أنّ الطّلّاب ذوي الصّعوبات التّعليميّة، كانوا أكثر تضرّرا من غيرهم؛ إذ لم يستفذ من الدّعم الكافي إلّا القليل منهم، إضافة إلى شعورهم بفقدان الرّوابط الاجتماعيّة وبضعف الانتماء.. كما لوحظ تراجع واضح في مهارات الكتابة، و القراءة، والفصاحة اللغويّة لدى الأطفال، ما دفع بالسّلطات إلى إعادة تداول الكتب الدّراسيّة المطبوعة لتعزيز الفهم وترقية الاستيعاب باعتماد الشّكل التّقليديّ دون الغفلة عن استمراريّة التّطوير اللّازم..
 
إلى جانب ذلك، فرضت المدارس الدنمركيّة، سياسات صارمة ضدّ الهواتف الذّكيّة المحمولة واللوحات الإلكترونيّة الشّخصيّة داخل الفصول الدّراسيّة. وقد أثبتت تجربة المدارس التي منعت إدخال هواتف الطّلّاب إلى الفصول الدّراسيّة طيلة اليوم الدّراسيّ، تحسّنا كبيرا في التّواصل بين التّلاميذ والمعلّمين، وزيادة دفء النّشاط الاجتماعي الذي كاد يُفقد.
 
 هذا التّحسن ونتائجه المبهرة؛ دفع بالحكومة لإصدار قانون وطنيّ يمنع الهواتف في المدارس وفي رياض الأطفال، استجابة لتوصيات خبراء أكّدوا أنّ الإفراط في الاستخدام الرّقمي يؤثر على النّوم والذّاكرة وعلى التّفاعل الاجتماعيّ الضروريّ في حياة الطّفل، المساعد على النّموّ السّليم..
 
وكانت المراجعات التّربويّة قبل جائحة كورونا، قد دعمت هذا التّوجه؛ إذ لم تسفر الاستثمارات الضّخمة في التّعليم الرّقميّ، عن تحسّن ملموس، في نتائج القراءة والرّياضيّات أو العلوم بشكل عامّ..
 
وهكذا، تكون مملكة الدّنمارك قد اختارت، مزايا التّكنولوجيا والرّقمنة، ولكن دون الاعتماد المفرط عليها المؤثّر على قوّة التّفاعل البشري، في محاولة لاستعادة روح المدرسة القديمة، كمكان للتّعليم المفيد وللتّواصل الإنسانيّ الذي سوف يظلّ ركيزة وسند كلّ تعليم يتناسب والفطرة السليمة.