الأمر الرابع: أن تعمل الجهة التي تتحمل مسؤولية اتخاذ قرار الإعفاء، سواء كانت الأمانة العامة أو الوزارة، على استفسار الشخص المتهم بالتقصير، وتستمع إليه في محضر رسمي، وتمكنه من الدفاع عن نفسه، وتقديم إثباتاته وحججه، وكل ما من شأنه أن يبعد التهمة عنه، إعمالا لقرينة البراءة حتى يثبت العكس، وأما إصدار القرار بدون إجراء بحث أو استماع إلى المعني بالأمر، أو تحقيق دقيق في المعطيات التي وضعت بين يدي الأمانة العامة والوزارة، كمبررات لطلب الإعفاء، كما حدث معي شخصيا، حيث إنني لم أتلق يوما تنبيها أو استفسارا أو اتهاما بالتقصير في عمل من الأعمال التي كلفت بها، فقد كانت الوزارة بهذا هي الخصم والحكم، جامعة بين ذلك ومكتفية به.
والوزارة بذلك تضع نفسها في موضع المقصر في اتخاذ الترتيبات الضرورية الكافية قبل إبطال ما اقتضته الإرادة المولوية الشريفة في حق بعض من علماء المملكة الشريفة الذين أعفتهم هذه الوزارة، وهم يحظون بعطف مولوي كريم، ويتصفون بالوطنية الصادقة، والكفاءة العلمية ومعرفة أحوال البلد، وانخراطهم التلقائي في خدمة الثوابت الدينية والوطنية بكل إخلاص وصفاء نية، بالإضافة إلى المكانة الاجتماعية التي تعتبر رصيدا أساسيا لكل عالم، يمكنه من القيام بمسؤولياته وتحقيق أهداف تدخلاته، لما له من سمعة حسنة، ولما راكمه من ثقة المجتمع في شخصه وعلمه، وحسن سيرته، فيكون العالم بذلك مستأمنا على أسرار الناس، وحافظا لحقوقهم، ومشاركا لهم في أفراحهم وأتراحهم، ومتضامنا معهم وواصلا لضعفائهم، لكونه منهم ومن أبناء بلدهم، فهو يعرفهم وهم يعرفونه، فبينما هو يقوم بكل هذا، ويندمج في مجتمعه، ويتفاعل مع مشاكله وانشغالاته، تفاجؤه الوزارة بقرار الإعفاء من المهام، بسبب وشاية كاذبة أو مكيدة غادرة، ممن يظن أن مصالحه الخاصة قد تتضرر بسبب وجود هذا الشخص، وبعد ذلك تبحث الوزارة عن بديل له، ليبدأ من البداية، وقد يحتاج إلى وقت طويل، ليصل إلى ما انتهى إليه سلفه، هذا إذا حصل الانسجام بين هذا العالم والمجتمع، وأما إذا لم يحصل، لسبب من الأسباب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أن يعين الرئيس أو العضو من غير الإقليم الذي عين فيه، ولا معرفة له بعادات هذا الإقليم وأعرافه، وغير ملم بخصوصيات المنطقة وطبائع أهلها، بالإضافة إلى التصريحات التي تصدر عنه من حين لآخر ، مثل أن يصرح بأنه عين بهذا المجلس لعلمه، وكأن غيره من الرؤساء أو الأعضاء عينوا لسبب آخر غير العلم، وكأن يصرح بأن البعض قال له أن عندك بالمجلس بعض الأعضاء شياطين، وأنه جاء لإصلاحهم، وأنه لمثل هؤلاء جاء، أو غير ذلك من التصريحات المستفزة والمنفرة ممن صدرت عنه، والتي لا يتحقق بها الانسجام المطلوب، بين الرئيس أو العضو المعين، والأعضاء الآخرين، وعلماء الإقليم وفقهائه وأئمته وسائر مكونات النسيج الاجتماعي به، وهذا أمر واقع بيقين في بعض المناطق على الأقل اقتصارا على ما أعرف، فإن الوزارة بهذا تجانب الصواب، وتقع في الارتجال الذي لا يليق الوقوع فيه والحالة هذه.
الأمر الخامس: أن الوزارة عليها في قراراتها أن تضع في اعتبارها أن هناك مؤسسة دستورية لها الولاية العامة على الشأن الديني، وتشرف عمليا وقانونيا على عمل المجالس العلمية، وتتابع أعمالها، تحت الرئاسة السامية لمولانا أمير المؤمنين نصره الله وأيده، طبقا للفصل 41 من دستور الممكلة المغربية الشريفة لسنة 2011 وهي الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى، التي تقدم في خطابات الوزارة أو تصريحات بعض المسؤولين الكبار في بعض المجالس العلمية الجهوية، بأن لهذه الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى دورا في الإعفاء، في حين أن واقع الأمر وما يستشف من قرارات الإعفاء يشير إلى خلاف ذلك، والقاعدة العامة المقررة في القانون الإجرائي بخصوص القرار الإداري أو القضائي كذلك، أن من يتخذ القرار يتحمل مسؤولية قراره، ويتم التنصيص عليه وعلى صفته في القرار دون تغييبه هكذا، ويترتب على مثل هكذا قرارات أن تعد باطلة بطلانا يعدم أثرها ومفعولها، لأنها تفتقر إلى أحد العناصر الجوهرية الفاعلة، بعدم الإشارة إليها فيها. والأمانة العامة عنصر جوهري في اتخاذ هذا القرار كما قيل، فكان على الأقل من أجل التقليل من عيوب هذه القرارات، أن يشار في تعليلاتها إلى ما قامت به هذه الأمانة العامة من إجراءات، وما قدمته من ملتمسات تهم الإعفاء من المسؤولية العلمية على مستوى الرئاسة أو العضوية، وهذا فيه إظهار لدور هذه المؤسسة الدستورية، وبيان لوظيفتها وإبراز لشخصيتها كمؤسسة فاعلة وغير مغيبة أو متوارية عن الأنظار ومتخفية وراء الوزارة.
الأمر السادس: أن تبين الوزارة في قرارها، المسوغ القانوني الصريح وليس الضمني الذي يسوغ لها نسخ ظهير مولوي شريف بقرار وزيري ضعيف، وذلك بالإشارة إلى المادة المسوغة لهذا الإعفاء، لا أن تكتفي بالإشارة إلى ظهير رقم كذا كما عدل وتمم بظهير رقم كذا، وفي هذا تعميم لما حقه أن يخصص، أو إجمال لما حقه أن يفصل.
هذا ما نرى أنه من الأمور التي من شأنها الرفع من جودة التصرفات الإدارية التي تصدرها هذه الوزارة، وترفع من حكامتها الداخلية والخارجية، وتقطع بذلك أسباب القيل والقال وكثرة السؤال، وهذا له تأثير كبير على الثقة في هذه الوزارة المهمة والحيوية، التي لا يمكن إنكار دورها الديني والاجتماعي والتاريخي، والإشعاعي. الخ... وهي أولى من غيرها بتطبيق قواعد العدالة والإنصاف في تصرفاتها وقراراتها الإدارية، لا أن تتذرع بحجة غياب المساطر أو عدم تعينها قانونا. د/ عبد اللطيف البغيل، عضو مجلس علمي سابق