سعيد عاتيق: فلسطين.. حين تصير الجراح ميزانًا للعدالة

سعيد عاتيق: فلسطين.. حين تصير الجراح ميزانًا للعدالة سعيد عاتيق
بعيدًا عن التفسيرات الدينية، وبمنأى عن كل المزايدات الإيديولوجية والإسلاموية، يحق لنا أن نطرح السؤال الجوهري، بل الإشكالي: هل سيكون الفلسطيني ـ هذا الإنسان المعذب في الأرض ـ شريكنا في يوم الحساب؟
 أم سيقف وحده ليواجه عالمًا بأسره خان وعده ومواثيقه؟
هل دار البوار، حيث يلقى الطغاة والمجرمون مصيرهم، تتسع لمزيد من الأبرياء؟ 
هل تستقبل الزبانية من اقتُلعت جذورهم من أرضهم عنوة، لا لذنب اقترفوه، سوى أنهم أرادوا أن يتنفسوا هواء حرًّا و أن يعيشوا بكرامة؟
ما يقارب قرنا من الزمن، والفلسطيني يتلوّى في جحيم لا يُطاق.
قرن من التهجير، والقمع، والحصار، والمجازر.
قرن من التخلي والخيانة والصمت الدولي المخزي.
ورغم كل ذلك، لم يفلح الجلاد في كسر إرادة شعب أبى إلا أن يبقى حيّا، بالقلب، بالضمير، وبالمبدأ.
لقد جرب على هذا الشعب الأبي كل أنواع الفاشية الحديثة:
تقتيل بشتى الوسائل،
تهجير تحت أعلام "الشرعية" الزائفة،
تضييق لا يرحم حتى الأنفاس في الطرقات والأنفاق والمعابر.
ومع ذلك، لم يركع الفلسطيني.
لم يرفع راية الاستسلام، لم يهتف لماما أمريكا، ولم يصفق لجروتها المسعورة، المدللة إسرائيل.
بل أدرك، بعد كل هذا الألم، أن لا صديق في هذا العالم إلا إرادته، ولا حليف إلا عزيمته، ولا خلاص إلا من داخله.
إن الفلسطيني اليوم ليس فقط شعبا يقاتل الاحتلال، بل هو مرآة تعكس عجز العالم الأخلاقي، وسقوط المنظومة الدولية التي تتغنى بحقوق الإنسان، بينما تسلح الجلاد وتدين الضحية.
فمن ذا الذي سيحاسَب إذن؟
 هل يُحاسَب الفلسطيني لأنه وُلد في أرضٍ طمعت فيها القوى الكبرى؟
هل يُحاسَب لأنه يرفض أن يكون مجرد رقم في سجلات اللاجئين، أو عظمًا تحت ركام الصمت العربي؟
إن لم تكن الجنة لأولئك الذين حملوا الكرامة في أكفهم ومضوا بها رغم الرصاص والجوع والحصار، فلمن تكون إذن؟
وإن لم تفتح أبواب النار لساكت على المجازر أو شريك في التواطؤ، فكيف نفهم العدالة؟
فلسطين ليست مجرد قضية، بل اختبار يومي لإنسانيتنا. 
وإلى أن ينجلي هذا الاختبار، ستبقى فلسطين بدمها وجراحها، وكرامتها تصرخ في وجه العالم:
لن نركع، لن نساوم، ولن نموت فارغين.
ليحيَ الشعب الفلسطيني.. والجنة لكل فلسطين.