البغيل: نظرات في قرارات إعفاء رؤساء وأعضاء مجالس علمية وما تثيره من إشكالات قانونية كبيرة (2)

البغيل: نظرات في قرارات إعفاء رؤساء وأعضاء مجالس علمية وما تثيره من إشكالات قانونية كبيرة (2) د عبد اللطيف البغيل
تحدثنا فيما مضى عن الإشكال الكبير الذي تثيره قرارات وزارة الاوقاف،  والمتعلق بإعفاء رئيس أو عضو بقرار مع أنه عين بظهير ملكي شريف، وبينا وجهة نظرنا في هذه القرارات وأنها مخالفة للقانون، ومتجاوزة لما اقتضته الإرادة المولوية في هذا الظهير، فإن ما صدر بظهير لا يمكن نسخه أو تعديله إلا بظهير، لأن ما رسمه الظهير الشريف لا تعقيب عليه ولا اعتراض، وليس كذلك القرار الوزيري الذي يقبل التعقيب والانتقاد والطعن وغير ذلك مما هو من توابع ما قلناه سابقا،  ونتحدث هنا عما ينبغي أن تتضمنه هذه القرارات  وما يجب أن تستوفيه من ضوابط احقاقا للحق وخروجا من دائرة الجدل الذي تثيره، ونحن هنا وإن كنا نقر بأن الظهير المنظم لعمل المجالس العلمية لا ينص على هذه الضوابط ولا يحددها، كما أشارت الوزارة نفسها في بيانها المشهور، فإننا مع ذلك نرى أن الوزارة بما أنها تجاوزت هذا الظهير وأصدرت قرارات الإعفاء من تعيينات تمت به، فلأن تخالف الوزارة القانون بإنسانية خير لها من أن تخالفه بجفاء وارتجالية كما تعكسه قراراتها الحالية، ولا نعتقد أن مسعى يهدف إلى ضمان الكرامة واحترام المكانة التي يتمتع بها العالم، سينظر إليه على أنه تجاوز أو مخالفة قانونية، بل سينظر إليه باعتباره مصلحة من أهم المصالح التي ينتج عن التفريط فيها مفسدة وأي مفسدة، ومهما يكن من أمر فإن ما سنذكره يدخل بوجه عام في إطار ما يجب القيام به قانونا قبل اتخاذ أي قرار عقابي إداري، ويتعلق الأمر  بأمور ستة، نجمل الحديث عن ثلاثة منها هنا ونؤجل الحديث عن الثلاثة الأخرى إلى مناسبة قريبة، وعليه فإن من هذه الأمور ما يلي: 
 
الأمر الأول: أن تقوم الوزارة قبل اتخاذ قرارها بحصر كل ما به يظهر  التقصير الذي وقع فيه المعني بالأمر، حتى تقيم الحجة على المعني بالإعفاء،  وتبين له أنه أخل بواجب تقرر بظهر شريف، وأنزل نفسه من المكانة العلية التي اقتضت إرادة مولانا الإمام وضعه فيها، وأنه بذلك استحق أن يعامل بما يليق بتقصيره، وعدم احترامه لمكانته، وعليه أن يتحمل بهذا تبعات ذلك، ولا أعتقد أن هناك عالما له قليل من عقل، يضع نفسه هذا الموقف، ويقصر في مهام كلفه بها ولي أمره استخفافا بها أو تهاونا في أمرها أو امتناعا عن القيام بها عن إصرار وعمد، ولو افترضنا جدلا وقوع هذا منه، فيجب والحالة هذه، أن تبين له الوزارة ما قام به من تقصير أو امتنع عن القيام به من أعمال وتكليفات، وهذا ما يتضمنه كل قرار عقابي صادر في حق أي مخالف، وفق أي نظام كان،  فإن الحكم على الشيء فرع تصوره،  ولو فعلت الوزارة هذا لتحققت بذلك مصالح شتى، أهمها،  ألا يكون بمقدور الشخص المعفى أن ينشر هذا القرار على مواقع التواصل الاجتماعي، لما فيه من معطيات دقيقة تقيم عليه الحجة، وتجعله لا يريد لنفسه الظهور بمظهر المقصر في المهمات والتكليفات التي لم يقم بها، والتي كانت هي المقصد الأساس  من تعيينه فيما عين فيه،  وبذلك يطوي الشخص المعفى القرار وينصرف إلى حال سبيله والتفرغ للقيام بشؤونه..
وحتى لو افترضنا أن الشخص المعفى ركب حموقته ونشر ذلك القرار، فإن المطلع عليه سيكون سيد نفسه في تكوين قناعته مما اطلع عليه من أمر القرار وتعليلات اتخاذه، ثم لا يكون بعد ذلك على الوزارة من لوم في ادعاء نقصان التعليل أو انعدامه.

 
الأمر الثاني: أن تبحث الوزارة في السبب الذي أدى إلى عدم قيام الشخص المعفى بما كلف به، فقد يتبين لها أن الشخص كان معذورا بعذر مقبول، منعه من القيام بما كلف به، ولا شك أن الأعذار القانونية التي تبرئ الذمة كثيرة، كمرض الشخص، أو أن يتبين أن عدم حضور عضو مثلا لبعض اجتماعات المجلس العلمي كان بسبب عدم إخباره لحضور هذه الاجتماعات، أو لكونه لم يتوصل بأي استدعاء أو لأن المجلس لم يراع الضوابط القانونية التي يجب أن يتضمنها الاستدعاء، خصوصا في الحالة التي يتطلب فيها حضور الاجتماع أخذ إذن بالتغيب عن العمل النظامي، بحسب لغة بيان الوزارة السابق ذكره، أو لغير ذلك من الأعذار التي تبرر عدم الحضور، وقد لا يقوم العضو بعمل ما، لأنه لم يكلف بالعمل الذي لم يقم به إلا قبل ساعة من الزمن عن موعد حلول وقت القيام بهذا العمل، وهذا من باب التكليف بمستحيل الذي لا طاقة لأحد في القيام به، خصوصا إذا كان العمل المكلف بالقيام به يتطلب التنقل بعيدا عن المجلس أو غيرها من الأسباب التي نقدر بكل يقين أنها قد تحدث لهذا العضو أو ذاك، وقد وقع لي شخصيا أغلب هذا، إما عن قصد أو عن غير قصد، لكن من أين لي أن أعرف حسن القصد إذا كانت العاقبة هي الإعفاء؟
 
الأمر الثالث: أن تتأكد الوزارة من أن المعني بالإعفاء لم يكن عنده مانع واقعي من القيام بعمله، لعدم توافر الظروف المساعدة، أو لوجود مانع داخلي أو خارجي يمنع من القيام بالعمل بشكل طبيعي، لأنه قد يقع أن يتعرض الشخص لمضايقات وتحرشات واستفزازات من قبل من يفترض فيه الإشراف على حسن سير العمل، أو شيء من هذا القبيل، وهنا لا ينبغي إعفاء العضو أو غيره وإنما يتعين رفع الموانع التي أدت إلى عدم القيام بالعمل،  باتخاذ تدابير معينة في مواجهة المتسبب الرئيس في تقصير الشخص المعفى.
والوزارة على كل حال لها من الأساليب والوسائل والإمكانات ما يجعلها تُكَون تصورا دقيقا حول ظروف كل حالة من حالات الإعفاء ومسبباتها، وقد يتبين لها من خلال ذلك أن الأمر فيه إن.
د/ عبد اللطيف البغيل، عضو مجلس علمي سابق