أحمد الحطاب: جامعة الدول العربية مؤسسة إقليمية خاوية الوفاض

أحمد الحطاب: جامعة الدول العربية مؤسسة إقليمية خاوية الوفاض أحمد الحطاب
أولا وقبل كل شيء، لستُ متَّفقاً على هذه التسمية (جامعة الدول العربية) لأنها غبر مُنصِفة. والسبب هو أن السكانَ الأصليين ببلدان شمال أفريقيا الخمسة، هم الأمازيغ، بينما العرب دخلوا المغرب، مثلا، مع مجيء إدريس الأول الذي كان هاربا من بطش الدولة الأموية واستقبلته واحدة من الممالك الأمازيغية. ولولا هذا الاستقبال، ما كان سينجح في تأسيس أول دولة تنتسب للعرب في المغرب.

ما أواصِل به تحريرَ هذه المقالة، هو توضيح عبارة "خاوية الوفاض". هذه العبارة تتألف من كلمتين هما "خاوي" و "وِفاض". "خاوي" كلمة لها علاقة ب"الخواء". و"الخواء" هو الفراغ الموجود بين شيئين. والمقصود ب"فراغ"، ليس الفراغ le vide الخالي من الهواء. المقصود، هو المسافة الفاصلة بين الشيئين. بمعنى أنه ليس في هذا الفضاء أشياء مادية أو ملموسة des choses matérielles ou concrètes. من هذا المنطلق، "خاوي" تعني "فارٍغ" أو "خالي" .

أما "الوِفاض"، فحسب القواميس والمعاجم العربية، فهو الجعبة المصنوعة من الجلد والتي كان الفرسان أو المُحاربون أو الصيادون يضعون فيها السهامِ لمواجهة الأعداء أو لصيد فريسة ما.

فعندما كان يعود الفارسُ من الحرب أو من الصيد دون أن يحقِّقَ أية نتيجة إيجابية ويكون قد استعمل كل السهام التي كانت تحتوي عليها جعبتُه، يُقال، مزاجياً، إنه رجع من مُهمَّتِه "خاويَ أو خاليَ الوفاض"، أي دون أن يحقِّقَ ما كان يرجوه أو يهدف إليه. أو بعبارةٍ أخري، استنفد كل ما كان لديه من سِهام في جعبتِه دون أن يحقِّقَ أي شيء.

ورجوعاً إلى عنوان هذه المقالة، أي "الجامعة العربية مؤسسة إقليمية خاوية الوفاض"، فهذا يعني أن هذه المؤسسة، كلما كلفها رؤساءُ الدول العربية بمهمة من المهام إلا وفشلت في هذه المهمة، وخصوصا، إيجاد حلولٍ للنزاعات القائمة بين الدول الأعضاء، علماً أن هذه الجامعة لها أهداف واضحة، أذكر من بينها، على الخصوص :

1.تقوية التعاون بين الدول الأعضاء في جميع المجالات
2.تنسيق العلاقات بين الدول الأعضاء
3.حماية استقلال وسِيادة الدول الأعضاء
4.حل النزاعات بين الدول الأعضاء
5.تعزيز الوحدة العربية والتضامن بين الدول الأعضاء
6. الحِرص على التكامل الاقتصادي…

بعد ذكرِ البعض من أهداف جامعة الدول العربية، سأركِّز مقالتي حول الهدفين الرابع والخامس، أي "حلُّ النزاعات" و"تعزيز الوحدة العربية". لماذا؟

لأن تحقيقَ جميع أهداف جامعة الدول العربية رهينٌ بحل النزاعات، وبالأخص، بقيام الوحدة العربية إذ لا يمكن أن تتحقَّقَ الوحدة العربية والبعض من أعضائها، يوجد إما في حالة حرب، كما هو الشأن في اليمن والسودان، وإما في حالة عدم الاستقرار، كما هو الشأن في ليبيا والعراق وسوريا والصومال…

فما دامت النزاعات قائمة، وما دام عدم الاستقرار موجودا في كثيرٍ من الدول الأعضاء، يصعب تحقيق الوحدة العربية والتضامن بين الدول الأعضاء. وهنا تٌطرح عدة أسئلة، أذكر من بينها، على الخصوص :

هل أوجدت جامعة الدول العربية حلا لمشكل الصحراء المغربية والتناحر القائم بين الأطراف الليبية والحرب في السودان والحرب في اليمن والأحداث التي تزعزِع استقرارَ الصومال…؟

إلى حد الآن، ليس هناك ولو بادرة une initiative واحدة أنهت الحرب وعدمَ الاستقرار، في البلدان العربية الأعضاء. فما دامت الحروبُ مستمرةً وعدم الاستقرار قائماً، قد يكون من المستحيل تحقيق الوحدة العربية.

وما يزيد في الطين بلَّةً، هو أن الدول الأعضاء في الجامعة ليس لها نفس أنظمة الحكم، بمعنى أن اختلافَ أنظمة الحُكم قد تكون مصدراً لاختلاف الرؤى في مجالات السياسة والاقتصاد والتنمبة. لكن اختلاف أنظمة الحكم لا يجب أن يكون من عراقيل تحقيق هذه الوحدة. لماذا؟ لأن العزيمة والإرادة السياسية القوية، هما أساس تحقيق الوحدة العربية. وخير مثال يمكن الاستشهاد به في هذا الشأن. هو الاتحاد الأوروبي.

ناهيك عن أن كل محاولات تحقيق الوحدة العربية بين بعض الدول العربية، كلُّها باءت بالفشل. وهنا، أذكر على سبيل المثال، الوحدة بين سوريا ومصر أو بين بلدان شمال أفريقيا الخمسة. كل هذه المحاولات باءت بالفشل، فما بالك بالوحدة بين 22 يلدا، كل واحد منها له نظرته الخاصة حول مصالحِه ذات الأولوية وحول القضايا الجيوسياسية والجيوستراتيجية.

ثم لا يجب أن ننسى أن جامعة الدول العربية تأسست سنة 1945، أي عمرُها ثمانون سنة. فهل يُعقَل أن تحقيق الوحدة العربية لم ير النورِ إلى يومنا هذا؟ بينما الاتحاد الأوروبي الذي هو أوسع جغرافيا وقابل للتوسُّع، ومختلفة بلدانه لغوياّ، عقائدياً، ثقافياً، وأنظمة الحكم فيه مختلفة… لم يجد عرقلةً لا في التأسيس ولا في قيام وحدتِه. وحتى إن كانت هناك عراقيل، فقد تمَّ تجاوزُها لأن المصيرَ المشترك وما ينتظر الاتحادَ من تحدِّيأت أقوى من الاختلافات.

فإذا لم تتحقَّق الوحدة العربية إلى حد الآن، فالمسؤولية تقع على الحُكَّام العرب وليس على الشعوب العربية. بمعنى أن عدمَ تحقيق الوحدة العربية له أسباب. من بين هذه الأسباب، أذكر، على الخصوص، الأسباب التاريخية واختلاف أنظِمة الحكم، كما سبق الذكر.

فيما يخص الأسباب التاريخية، لا يخفى على أحد الانقسام الذي عرفه العرب في صفوفهم بعد وفاة الرسول (ص). وهذا الانقسام لم يكن، فقط، عقائديا. بل كان، كذلك، سياسيا، أساسُه هو التسابق من أجل الوصول إلى كراسي السلطة. وكانت، آنذاك، القَبَلِية le tribalisme تحلُّ محلَّ ما نسميه اليوم القومية العربية le nationalisme arabe التي لم تظهر في الساحة السياسية العربية إلا خلال النصف الثاني من القرن العشرين.

وهذه القبلية لا تزال قائمةً إلى يومنا هذا، مثلا، في ليبيا واليمن. والانقسام العقائدي، هو الآخر، تضرب جدورُه في أعماق التاريخ، وخصوصا عندما أنشأ الأئمة الأربعة المذاهب الأربعة التي، إلى يومنا هذا، لا تزال تتطاحن فيما بينها، مٌدعيةً أن نظرتها للدين هي الصحيحة.

أما فيما يخص اختلاف أنظمة الحكم، فإن هذا الأخير، أي الاختلاف، يقود إلى الاختلاف في الرؤى les visions, وخصوصا، لما امتزجت أنظمة الحكم الجمهوري بالأيديولوجيات الغربية التي هي مبنية، إما على الليبرالية le Libéralisme وإما على الأيديولوجيات الشرقية المبنية على الاشتراكية le socialisme أو على الشيوعية le communisme. علما أن هذه الأيديولوجيات كانت عبارة عن شعارات فارغة المعنى des slogans vides de sens لا تسمن ولا تغني من جوع. ولعل أشهر رئيس دولة عربية كان يجترُّ هذه الشعارات الفارغة، جمال عبد الناصر وأتباعُه داخل وخارج مصر. و الدليل على أن هذه الشعارات فارغة، الهزيمة التي عرفتها مصر وسوريا والأردن ولبنان أمام إسرائيل في حرب ستة أيام سنة 1967. فهل الشعارات نفعت هذه البلدان الأربعة؟ لقد صدق مَن قال : "العرب ظاهرة صوتية!"

إذن، جامعة الدول العربية تجرُّ وراءها عوامل الانقسام. وهذه العوامل، إما تنتسِب للماضي وإما للحاضر، فهل يُعقل أن مدَّة ثمانين سنة لم تكن كافية لتتجاوز جامعة الدول العربية هذه العوامل؟ وذلك من أجل انتصار الصالح العام. ولهذا، عنونتً هذه المقالة ب"جامعة الدول العربية مؤسسة إقليمية خاوية الوفاض".