مخيم الشعلة بصيغة تعدد الذكاءات واكتشاف المواهب

مخيم الشعلة بصيغة تعدد الذكاءات واكتشاف المواهب من أنشطة المخيم
تنظم جمعية الشعلة للتربية والثقافة الملتقى الوطني لليافعين في الفترة من 8 إلى 20 غشت 2025 بالثانوية التقنية الإدريسي بمدينة أكادير تحت شعار: "خمسة عقود من الفعل الجاد والملتزم بقضايا الطفولة والشباب". 
تشكل هذه التظاهرة  مناسبة للتلاقي الثقافي والاحتفال بالذات الجماعية كما تمثل أرضية خصبة لاستكشاف العلاقة الحيوية بين تعدد الذكاءات واكتشاف المواهب، وكيف يمكن من خلالهما تفجير الطاقات الكامنة لدى اليافعين، خصوصا في زمن تتسارع فيه التحولات الرقمية ويزداد فيه تأثير التكنولوجيا على حياة الشباب.
في الارضية التوجيهية للملتقى تعتبر جمعية الشعلة أن في عالمنا الحديث، لم يعد الذكاء مفهوما واحدا جامدا، بل أصبح يُنظر إليه كتركيبة معقدة تضم أشكالا متعددة ومتنوعة: ذكاء لغوي، منطقي- رياضي، موسيقي، جسدي- حركي، اجتماعي، ذاتي، طبيعي، وذكاءات أخرى تتفاعل مع بيئات مختلفة. هذه النظرية، التي طورتها أبحاث علم النفس التربوي، فتحت آفاقا جديدة لفهم الإمكانات الكامنة لكل فرد، وأكدت أن كل يافع يمكن أن يمتلك مزيجا فريدا من الذكاءات التي تحتاج إلى بيئات مناسبة تكتشفها وتحتضنها.
الملتقى الوطني لليافعين بجمعية الشعلة جاء كفرصة حقيقية لتفعيل هذه الفكرة، إذ جمع مائتي يافع ويافعة من ثلاثين مدينة مغربية، لكل منهم مسار، بيئة، وذكاءات متباينة. البرامج والورشات المتنوعة التي تمت برمحتها — من المسرح إلى الشعر، القصة القصيرة، الموسيقى، الرقص، الإنشاد والغناء الجماعي والفنون التشكيلية ...  تشكل  مساحات حية لاكتشاف مواطن القوة الابداعية والذكاءات المختلفة في كل مشارك.
عندما يمنح اليافع الفرصة ليعبر عن نفسه في المجال الذي يشعر فيه بتميزه، تبدأ الطاقات الكامنة في التفاعل والتفجر. فالشعور بالنجاح والتقدير يعزز الثقة بالنفس ويحفز على الإبداع والتجريب، وهذا ما بدا جليا في اندماج المشاركين في مختلف الأنشطة، حيث تحولت الكلمات إلى شعر جارف، والحركات إلى رقصات تنسجم مع ألوان المشاعر، والحكايات القصيرة إلى رحلات خيالية تأسر المستمعين.
هذا التفجير لا يقتصر على الجانب الفردي فقط، بل له أبعاد اجتماعية وتربوية عميقة. فالذكاءات المتعددة والتعبير عنها يشكلان جسرا للتواصل والتفاهم بين المشاركين من مختلف الخلفيات الثقافية والجهوية، مما يثري التجربة الجماعية ويغذي روح التعاون والاحترام المتبادل. 
في الوقت ذاته، يعزز هذا التنوع قدرة الشباب على التعامل مع تحديات العصر، حيث أصبحت المرونة والابتكار مهارات أساسية في بيئة متغيرة وسريعة التبدل.
تجربة الملتقى تشكل أيضا تذكيرا مهما بأن الفعل التربوي يجب أن يكون شاملا وشخصيا، يأخذ بعين الاعتبار التنوع في أنماط التعلم والذكاءات الفردية، وليس نموذجا واحدا قاسيا يحاول فرض شكل محدد للنجاح. هذا النهج الذي تعمل به اكر الشعلة يسهم في بناء الإنسان الكامل، القادر على المساهمة بفعالية في تنمية مجتمعه، لأن طاقات الشباب  تمثل ثروة اجتماعية يجب استثمارها وتطويرها.
في ظل التحول الرقمي، يصبح هذا التوجه أكثر أهمية، إذ لا يكفي أن يستهلك اليافعون المحتوى الرقمي فقط، بل يجب تمكينهم من استخدام أدوات التكنولوجيا لابتكار وإبداع يتناسب مع ذكاءاتهم ومواهبهم. هنا تأتي أهمية الجمعيات التربوية مثل جمعية الشعلة، التي توفر فضاءات آمنة ومحفزة توازن بين الرقمي والإنساني، وتدعم الاكتشاف الذاتي وتوجيه الطاقات نحو بناء مستقبل أفضل.
إن العلاقة بين تعدد الذكاءات واكتشاف المواهب ليست مجرد موضوع نظري، بل هي أساس فيزيائي وعملي لأي مشروع تربوي ناجح، وهي مفتاح لفك شفرة الطاقات الكامنة لدى شبابنا، ورافعة حقيقية لتنمية مستدامة ترتكز على الإنسان في عمق شخصيته.
في نهاية المطاف، الملتقى الوطني لليافعين بجمعية الشعلة يشكل نموذجا ملموسا لهذا المسار، إذ يكشف كيف يمكن للبرامج الثقافية المتنوعة أن تفتح آفاقا جديدة للشباب، تمكنهم من بناء هويتهم الثقافية وتطوير مهاراتهم، بعيدا عن الاستلاب الرقمي، وبروح إبداعية عالية تعبر عن ذواتهم المتعددة والثرية.