خلق غليانا واستنكارا: مؤشر الدعم الاجتماعي.. سيف على رقاب المغاربة الفقراء !

خلق غليانا واستنكارا: مؤشر الدعم الاجتماعي.. سيف على رقاب المغاربة الفقراء ! تزايد شكاوى الأسر المقصاة أو المتضررة من شروط الدعم
في زقاق ضيق بأحد الأحياء الشعبية على هامش مدينة تارودانت كبرى، تجلس أمينة أرملة خمسينية، على كرسي بلاستيكي متهالك، تحدّق في رسالة نصية توصلت بها من "السجل الاجتماعي الموحد".

تتنهد بمرارة وتقول: توصلت بـ800 درهم. نعم، المبلغ أفضل من لا شيء، لكنه لا يكفي حتى لتغطية مصاريف الدواء، فكيف أعيل به ثلاثة أبناء وأؤدي واجب الكراء؟

أمينة واحدة من آلاف الأسر التي انخرطت في تجربة الدعم المالي المباشر، الذي أطلقته الحكومة في بداية 2024 ضمن ورش تعميم الحماية الاجتماعية. وقد قُدِّم هذا البرنامج باعتباره بديلاً لدعم المواد الأساسية الذي رُفع تدريجيا، بهدف توجيه الدعم المالي مباشرة إلى الفئات الفقيرة. إلا أن ما تكشفه المعطيات والشهادات من الميدان يثير تساؤلات عميقة حول مدى نجاعة هذا المشروع وقدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة.


السجل الاجتماعي الموحد: معايير تقنية تفتقر للعدالة الاجتماعية

وفق معطيات توصلت إليها "أنفاس بريس"، يرتكز نظام الدعم الجديد على آلية "السجل الاجتماعي الموحد" التي تعتمد مجموعة من المؤشرات التقنية لتحديد الاستحقاق، من بينها: استهلاك الكهرباء، وفواتير الهاتف، ومساحة السكن، وعدد الأجهزة والهواتف، إلى جانب بيانات أخرى. لكن هذه المعايير، رغم طابعها الرقمي والموضوعي، لا تعكس بدقة الواقع المعيشي للفئات الهشة.

وفي هذا السياق، يوضح الحسين البوزيدي، فاعل جمعوي من سوس ماسة، أن "هذا "النظام يُقيّم المواطن بناء على أرقام جامدة. امتلاك أسرة لسبعة هواتف - بعضها قديم أو معطل - يُحتسب مؤشرا على الرفاه، في حين أن هذه الهواتف لا تعدو أن تكون وسائل ضرورية للتواصل اليومي".

هذا ما وقع بالفعل لأسرة تتكون من أربعة أفراد، رُفض طلبها للاستفادة من الدعم بسبب "مؤشرات غير متطابقة"، من قبيل امتلاك عدد من الهواتف المحمولة وفاتورة هاتفية شهرية بقيمة 137 درهما.

أحمد رب الأسرة، تساءل بمرارة: هل أصبحت الهواتف علامة غنى؟ وهل استهلاكنا الضروري للتواصل يُسقط عنا صفة الفقر في نظر الدولة؟


مبالغ متفاوتة وغياب للشفافية

ووفق الإفادات التي استقتها "أنفاس بريس"، تشير شهادات ميدانية إلى تفاوت واضح في مبالغ الدعم بين الأسر، دون تقديم مبررات واضحة أو توضيح للمعايير المعتمدة. فبعض الأسر تتلقى 500 درهم شهريا، وهو ما يعادل أقل من 17 درهما للفرد يوميا، في حين تحصل أسر أخرى على 1000 درهم. هذا التباين يُغذي شعورا بالغبن ويطرح تساؤلات حول العدالة في التوزيع.

يقول سعيد، أب لثلاثة أطفال من ضواحي سلا: "حصلنا على دعم مالي للأطفال يصل إلى 300 درهم، لكن جيراننا في نفس الوضعية تقريبا تلقوا 250 فقط لكل طفل. لا أحد شرح لنا الفرق، ولا نعرف كيف نطعن أو نعترض.

هذا الغموض الملتبس، يشرح يونس العلوي، وهو باحث في الاقتصاد، يقود إلى أن "هذا الغموض يُضعف الثقة في البرنامج. فعندما لا يفهم المواطن سبب حصوله على مبلغ معين، أو رفض ملفه، يشعر بالتمييز. والمقلق أكثر هو غياب قنوات تواصل واضحة للطعن أو إعادة التقييم"


الدعم المشروط: بين التغطية الصحية والإقصاء غير المباشر

من بين الشروط الأساسية للاستفادة من الدعم، الالتزام بالتسجيل في نظام التغطية الصحية الإجباري (AMO)، وتسديد واجب الاشتراك السنوي، الذي قد يصل إلى 150 درهما للفرد. هذا الشرط، وإن كان يندرج ضمن هدف تعميم الحماية الصحية، إلا أنه يشكل عائقا ماليا أمام الأسر الفقيرة.

فاطمة الزهراء، مطلقة تعيش في أكادير، تشرح ماحصل، بقولها: "أُخبرت بأن الدعم سيتوقف إذا لم أدفع واجب التأمين الصحي. لكن كيف يُطلب مني الدفع وأنا أنتظر هذا الدعم لتوفير الغذاء؟ هل أصبح الحق في الصحة مشروطاً بالقدرة على الأداء؟
في المقابل، ترى فئات واسعة من المتتبعين أن ربط الدعم المالي بالاشتراك الإجباري في AMO لا ينسجم مع مبدأ الحق الدستوري في الصحة، بل يُفرغه من مضمونه ويحوّله إلى خدمة قائمة على الأداء.


منصة رقمية... وبيروقراطية صامتة

رغم أن الحكومة شددت على توفر آلية رقمية لتقديم الاعتراضات وإعادة التقييم، إلا أن المواطنين يواجهون صعوبات كبيرة في استخدام المنصة أو التواصل مع الجهات المعنية، خصوصا من لا يملكون المهارات الرقمية أو يعيشون في مناطق نائية.

يحكي عبد الرحيم، من آسفي،: قدّمت ثلاث شكايات عبر المنصة، ولم أتلقَّ أي جواب. كيف لمن لا يجيد القراءة والكتابة أن يستخدم هذه المنصات؟ نحن نُقصى مرتين: أولاً من الدعم، وثانياً من حقنا في الاعتراض.


الرقمنة وحدها لا تكفي لتحقيق الإنصاف

أمام هذا الواقع، يطرح الباحث السوسيولوجي أحمد مراد ، إشكالا جوهريا:" الفقر ليس رقمًا في خانة إلكترونية، ولا يمكن اختزاله في مؤشرات جامدة. السياسات الاجتماعية تحتاج إلى إنصات ميداني، وتقدير للسياقات المحلية، لا مجرد معادلات رقمية".
ويضيف بأن تعميم الحماية الاجتماعية لا يتحقق فقط بوجود منصات رقمية ذكية، بل بإرادة سياسية لتوسيع الولوج، وتبسيط الإجراءات، وضمان المساواة الفعلية.


أسئلة مفتوحة... في انتظار أجوبة مسؤولة

مع تواتر الشهادات الميدانية، وتزايد شكاوى الأسر المقصاة أو المتضررة من شروط الدعم، يجد مشروع الدعم المالي المباشر نفسه أمام تحدي المصداقية. فالنية الإصلاحية لا تكفي ما لم تقترن بآليات شفافة، وإنصات فعلي، ومراجعة مستمرة للمعايير المعتمدة.

وفي هذا السياق، تظل الأسئلة معلقة: هل تتحول العدالة الاجتماعية إلى مجرد شعارات تقنية؟ وهل تملك الحكومة الجرأة لتقييم أخطاء البرنامج وتصحيحها؟ وهل سيتحقق حلم الدولة الاجتماعية بالمؤشرات الرقمية وحدها؟. أسئلة تهم كل مواطن مغربي، وتنتظر أجوبة عاجلة لا تحتمل المزيد من التأجيل في برنامج ما يزال يشكو حظه العاثر في مواجهة الفقر.

ووفق حصيلة التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد، فقد بلغ عدد المستفيدين أزيد من 5.2 مليون أسرة أي ما يعادل 18.9 مليون شخص على الصعيد الوطني، تنحدر 56 % من مجموع الأسر المسجلة من الوسط القروي ، أي ما يفوق 2.9 ملايين أسرة، أو ما يعادل 10.5 ملايين شخص، فيما تشكل الأسر المنحدرة من الوسط الحضري نسبة 44.1 %؛ أي ما يناهز 2.3 مليون أسرة، أي حوالي 8.4 ملايين شخص.